09-01-2023 08:36 AM
بقلم : د. خير أبو صعيليك
لا يخفى على أحد توجس خبراء الاقتصاد في العالم من احتمالية حدوث ركود اقتصادي عالمي خلال النصف الاول من العام 2023 الحالي وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية والتي يوصف بها النمو الاقتصادي بأنه معد، بمعنى أن الكثير من الاقتصاديات العالمية تتأثر به صعودا» أو هبوطا» وخاصة تلك الدول التي ترتبط عملتها المحلية بالدولار كالأردن مثلا».
تعزز حالة عدم اليقين للاقتصاد العالمي ثلاث حقائق مهمة، أولها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية والاستقطابات الدولية بخوص هذه الحرب وما نتج عنها من اضطراب سلاسل التزويد وارتفاع اسعار الطاقة وشح مصادرها وخاصة في دول الاتحاد الاوروبي، وثاني هذه الحقائق فهي استمرار رفع اسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الاميركي بهدف السيطرة على التضخم خلال النصف الاول من هذا العام على الاقل وقيام البنوك المركزية في معظم دول العالم بمحاكاة ما قام به الفيدرالي، أما ثالث هذه الحقائق فيتعلق بتزايد القلق العالمي جراء ظهور سلالات جديدة من متحورات فيروس كوفيد 19 في الصين واحتمالية عودة الدول لإجراءات احترازية مع تسجل حالات عدوى خارج الصين.
هذه التوقعات السلبية ساهمت في اضطراب اسواق الدين العالمية وسط تعثر في السداد، فقد ارتفعت الديون المتعثرة في الولايات المتحدة الأميركية وحدها بأكثر من 300 % خلال العام الماضي مما يثير مخاوف عالمية من التخلف عن السداد الامر الذي جعل الحصول على قروض ذات فائدة متدنية غير ممكن في الاسواق العالمية.
أما إقليميا» فإن استمرار الاضطرابات السياسية في الاقليم ما يزال يؤثر سلبا» على فرص التعاون الاقتصادي بين دول الاقليم، فحكومة الاحتلال الاسرئيلي اتجهت نحو التشدد بوصول اليمين المتطرف الى الحكومة، الامر الذي يعني عودة القلق والعنف الى المنطقة، يضاف الى ذلك عدم احراز تقدم في الحالة السياسية في كل من ليبيا واليمن وسورية والعراق واستمرار حالة الطوارئ في تونس مما زاد في تعقيد الظروف المعيشية لمواطني هذه الدول.
في تقديري أن التحديات العالمية والاقليمية تبدو أقل حدة محليا» على الاقتصاد الوطني، ففي حين تسعى الكثير من الدول حاليا» للتفاوض مع صندوق النقد الدولي للدخول في برامج تمكنها من مخاطبة المقرضين والمانحين، فإن الأردن يمتلك سجلا ائتمانيا جيد وهو ملتزم تماما ببرنامج التصحيح المالي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي والذي سينتهي مطلع العام القادم 2024.
أما قانون البيئة الاستثمارية والذي أُقر في الصيف الماضي فسيدخل حيز النفاذ مع منتصف الشهر الحالي، يترافق ذلك مع اطلاق الحكومة للبرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي للاعوام 2023، 24 وكذلك 25 والذي يتضمن سلسلة مشاريع تتجاوز قيمتها عشرة مليارات دينار اردني عند اكتمالها، وقد بدأت الحكومة بتأهيل الشركات التي يمكن ان تنفذ مشروع الناقل الوطني والذي يتوقع ان يصل حجم الاستثمار به الى قرابة ثلاثة مليارات دينار.
كل ذلك يترافق مع تحركات على المستوى السياسي بهدف ترتيب تفاهمات اقتصادية مع دول الجوار والإقليم، فقد احتضن الأردن مؤخراً قمة بغداد للتعاون والشراكة والتي ركزت في جزء منها على هذا البعد كما أن الأردن وقع على مذكرات تفاهم تتعلق بمشاريع مشتركة، كمشروع المنطقة الاقتصادية الأردنية العراقية مثلاً والذي عاد لواجهة الاهتمام مرة اخرى، وكذلك التكامل الصناعي مع كل من مصر والامارات والعراق.
الأردن يبذل جهودا استثنائية في تعزيز مناخ البيئة الاستثمارية، فلدينا رؤية اقتصادية لمدة عشر سنوات ولدينا برنامج تنفيذي لمدة ثلاث سنوات، ولدينا قانون استثمار جديد، ولدينا نسبة تضخم ضمن الحدود الآمنة، مما يعني أننا نمتلك نظرياً بيئة خصبة للاستثمار المحلي والاجنبي، لكن الامر كله مرهون بالتطبيق الفاعل.
لكل ما سبق وبخلاف التوقعات السلبية للاقتصاد العالمي فإنني أعتقد أن عام 2023 يمكن أن يحمل بشائر خير، فثمة إدراك عميق من الجميع في الأردن بأن الاستثمار هو الوصفة السحرية لكافة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وان الاولويات اصبحت واضحة للجميع وفي مقدمتها ووسطها ونهايتها ايجاد فرص عمل كريمة للمواطن، وبهذا فإن النظرة الايجابية للاقتصاد الوطني ممكنة لكنها معلقة على شرط العمل الجاد والتنفيذ في الوقت المحدد دون ارتجاف أو تردد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-01-2023 08:36 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |