11-01-2023 08:36 AM
بقلم : د. علا خالد الزواتي
في عصر المنافسة والعالم الصغير، تعالت الأصوات مطالبة القطاع العام بالتحسينات في الخدمات المقدمة، وزيادة الشفافية في السياسات والإجراءات المرنة التي تركز على التحسين المستمر والإستخدام الأمثل للموارد واستدامة النتائج المميزة. لذلك توجهت مؤسسات القطاع العام لتطبيق أفضل الممارسات في تقديم الخدمات، وتعزيز الابتكارات، وتحقيق القيمة المضافة، والسير على طريق النمو والتميز ضمن مفاهيم تتمحور حول المواطن والموظف وترتكز على القيادة بالنتائج وتحقيق الأثر اللازم وفقاً للرسالة التي تم تأسيس المؤسسات للقيام بها ورؤية مستقبلية تعمل على تحقيقها. ومن هذه المرتكزات، بدأت المؤسسات رحلة التميز طواعية تارة واجباريةً تارة أخرى من خلال إطلاق معايير للتميز تستند على هذه المرتكزات.
كانت بداية التميز مع العالم ديمنج عندما شرع بتطبيق مفاهيم ومبادئ وطرق لتطوير المنتجات اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية وتم تكريمه باعتماد مبادئه بما يعرف بجائزة ديمنج. أسهمت مبادئ ديمنج في تطوير الصناعة اليابانية وانتعاشها ودخولها أسواقاً عالمية واعتمدت ودرست كمنهج تتبناه الدول. وبدأت الدول الواحدة تلو الأخرى بإعلان مبادئ ومعايير للتميز تنتهي بإعلان جوائز للتميز ولكافة القطاعات في بلدانها. تشير الابحاث إلى أن هناك ما يزيد عن 100 جائزة حول العالم تمنح لتطبيق معايير محددة لتطوير العمل وتحسين الخدمات والاستعداد للمستقبل والمرونة في الاجراءات وتحقيق النتائج المبهرة، ويقوم على تطوير معايير التميز ورعاية الجوائز الخاصة بها وعلى اطلاق برامج وجهات تعمل على مواكبة التطورات في مجالات التميز والجودة والتوجهات الوطنية واحتياجات كافة المعنيين من مؤسسات وقيادات ومتعاملين وموظفين ومجتمع. وقد بدأت جميعاً بإطلاق معايير للتميز عامة تطبق على القطاع العام والخاص. ومع ازدياد الخبرات في التطبيق، أصبح هناك معايير وجوائز خاصة بالقطاع العام تستخدم مفرداته وتخاطب متعامليه وموظفيه وتتجاوب مع احتياجاتهم وتطلعاتهم وتواكب التطورات التقنية والتنافسية التي يواجهونها وتعزز الحوار بين كافة الاطراف المعنية بهدف تحقيق التقدم الاجتماعي والاستقرار السياسي والاقتصادي. ولتحفيز مؤسسات القطاع العام لتطبيق معايير التميز، أُطلقت جوائز التميز من قبل العديد من الحكومات من أشهرها جائزة ديمنج وجائزة مالكوم بولدريج والجائزة الاوروبية للجودة وجائزة رئيس الوزراء للجودة في ماليزيا، وجائزة الجودة الكبرى الكورية وجائزة برنامج دبي للتميز الحكومي وجائزة محمد بن راشد للأداء الحكومي المتميز وجائزة الملك عبد الله الثاني للتميز الحكومي.
إلا أن نجاح معايير التميز والجوائز في إحداث التغيير المطلوب يعتمد من جهة على جدية الجهات الحكومية نفسها في التطبيق وعلى رغبتها في تحقيق تميز مستدام. كما يعتمد من جهة أخرى على كيفية التعامل مع نتائج تقييم المؤسسات من قبل برامج التميز. إن استخدام نتائج تقييم المعايير كأداة للمساءلة مثل اعلان المؤسسات الفائزة بالجائزة ومنحها الحوافز اللازمة مهم ولكن الأهم من ذلك، كيفية التعامل مع نتائج المؤسسات ذات الأداء المتدني مثل المساءلة أو المطالبة بتغييرات اصلاحية تغييرية فيها وقبل الدورة التالية من الجائزة مما سيعزز التزام الجهات بتطبيق المعايير ويسهم في استفادة حقيقية من التميز وليست شكلية.
وقد اختلفت الدراسات في نتائج وأثر تطبيق مبادئ ومعايير التميز، فمنهم من أكد أنها قد ساهمت في نجاح العديد من المؤسسات في القطاعين العام والخاص، ومنهم من بين أن تطبيق معايير التميز ساهم في تحسين أداء المؤسسات وتقديم الخدمات ومنهم من بين أن تطبيق المعايير لم يمنع خسائر عدد من المؤسسات سواء بالأرباح أو بثقة المتعاملين أو الموظفين أو المجتمع. ولكن من المؤكد انها زرعت وجذرت فكراً جديداً ومختلفاً ومواكباً للتطورات في البيئة المحلية والعالمية في المؤسسات التي تعمل على تطبيقها من خلال بناء ثقافة للتميز تعزز الحوار بين كافة المعنيين بعمل المؤسسات الحكومية وتحقق نتائج مميزة في عمل المؤسسات، وتضمن حوكمة الاجراءات ومرونة الخدمات المقدمة والاستدامة بكافة محاورها.
وللأردن باع طويل في مجال التميز. فقد حققت جوائز التميز ومنذ عقود تغييراً كبيراً وهاماً في الثقافة المؤسسية وفي آليات تقديم الخدمات وفي تطوير البيئة المؤسسية الداخلية للموظفين والخارجية للشركاء والمتعاملين والمجتمع، وساعدت في رفع سوية الخدمات وتبسيط الاجراءات وتحسين رضا المتعاملين والموظفين، خاصة في الجهات الحكومية التي عملت على استدامة جهود التغيير وتطبيق متطلبات التميز. في حين تراجع الأثر في الجهات الحكومية التي توقفت عن التطبيق بانتظار إعلان الدورة الجديدة من الجائزة وأدى إلى تراجع رضا متعامليها وموظفيها. ولاستمرار جهود التطوير والتحسين في الجهات الحكومية ولإرجاع الدافعية للتميز، لابد من تسليط الضوء على اطلاق الجيل الخامس من قبل مركز الملك عبدالله الثاني للتميز «نموذج التميّز الحكومي الأردني KACE-5.0 » ليتم تطبيقه من قبل الجهات الحكومية المشاركة في جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الأداء والشفافية، وتقييمها بناء عليها. تهدف التحديثات على النموذج إلى تلبية الاحتياجات الوطنية من جهة والتطوير المؤسسي من جهة أخرى بناءً على أفضل الممارسات الإقليمية والعالمية. كما تركز على الترابط والتكامل مع التوجهات الحكومية وخاصة خطط الإصلاح السياسي والاقتصادي والاداري ويساعدها في تطبيق مفهوم حكومات المستقبل. إن مهمة المركز ليست بالسهلة في هذا الوقت تحديداً ومع عدد المؤسسات التي سيتم تقييمها وترتيبات عملية التقييم وتوفير العدد اللازم من المقيمين وغيره ولكنها هامة جداً كمحرك رئيسي من محركات عجلة الاصلاح الاداري وتحديث القطاع العام إن وجدت الاهتمام اللازم لتطبيق النموذج الجديد بجدية ورغبة في التحسين والتطوير المستمرين.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-01-2023 08:36 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |