حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,24 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1508

العفو العام لن يشمل المدينين المتعثرين

العفو العام لن يشمل المدينين المتعثرين

العفو العام لن يشمل المدينين المتعثرين

15-01-2023 08:25 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
تكثر المطالبات النيابية هذه الأيام بإصدار عفو عام، حيث تضغط لجنة الحريات في مجلس النواب على الحكومة لتدفعها إلى تبني مقترح عفو عام جديد، وذلك بحجة وجود اكتظاظ غير مسبوق في السجون وتجاوزها لطاقتها الاستيعابية. بدورها، تلتزم الحكومة الصمت حيال هذا الموضوع، مكتفية بما أصدره وزير الداخلية من توجيهات إلى الحكام الإداريين بعدم التوسع في ممارستهم لصلاحياتهم القانونية في التوقيف الإداري، وترشيدها إلى حدودها الدنيا.

إن الحكومة تعي الكُلف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ستترتب على إصدار قانون عفو عام جديد، خاصة وأن آخر عفو عام قد جرى إقراره في عام 2019. وهو التشريع الذي لم يتم استكمال تطبيق نصوصه وأحكامه حتى اليوم؛ فالعديد من الجرائم الواردة فيه يتوقف الإعفاء منها على إسقاط الحق الشخصي، أو دفع أصل المبلغ المطالب به أو المبلغ المحكوم به، ومثالها قضايا الشيكات والاحتيال وإساءة الائتمان.

كما تدرك الحكومة بأن العفو العام هو خروج استثنائي عن قواعد المشروعية الجزائية، التي تقوم على أساس إيقاع الجزاء المناسب بحق كل من يرتكب جريمة معاقب عليها بنص القانون، فيتحقق الردع العام والخاص لكي يأمن الفرد على حياته وسلامة أفراد عائلته وممتلكاته. فهذا السلم المجتمعي الذي فرض المشرع الدستوري على الحكومة حمايته، لا يتوافق مع فكرة التوسع في إصدار العفو العام، وأن يتم إطلاق سراح السجناء والمجرمين وإعادة الزج بهم في المجتمع المحلي بشكل جماعي وفي فترات زمنية متقاربة، خاصة في ظل غياب الدراسات الاجتماعية المسحية حول أثر العفو العام على الإصلاح المجتمعي، ونسبة تكرار العودة إلى ارتكاب الجرائم من الأشخاص المستفيدين من العفو العام.

وفي محاولة لاستمالة ود الرأي العام، يتمسك أنصار العفو العام من أعضاء مجلس النواب بأن الظروف الاقتصادية وتبعات جائحة كورونا لا تزال ترمي بظلالها على الأسر الأردنية، التي تعاني من ضائقة مالية صعبة، وبأن هذه الأحوال الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الأردني هي التي تُجبر رئيس الوزراء على تكرار تمديد العمل بأمر الدفاع رقم (28)، الخاص بوقف سريان النصوص القانونية المتعلقة بحبس المدين، وتجميد عقوبة إصدار شيكات دون رصيد إلى حد مالي معين.

إن هذه الإدعاءات لا تقوم على أساس قانوني سليم وحرية بالرد. فأي عفو عام جديد سيصدر لن يكون له تأثير مباشر على المدينين المتعثرين، باستثناء إعفائهم من مخالفات السير أو أي غرامات مالية أخرى إن وجدت. فالعفو العام يوجه إلى الجرائم الجزائية التي يرتكبها الأفراد خلال فترة زمنية معينة، فيُعفي عنها ويزيل حالة الإجرام من أساسها، ويمحو كل أثر من الآثار المترتبة عليها بمقتضى التشريعات النافذة. كما يسقط العفو العام كل دعوى جزائية وعقوبة أصلية كانت أو تبعية تتعلق بأي من تلك الجرائم الخاصة به.

فالعفو العام مرتبط بارتكاب جرائم جزائية يزيل الصفة الجرمية عنها ويطلق سراح مرتكبيها، وليس له أي علاقة بالديون المدنية، وقرارات الحبس التي صدرت عن دوائر التنفيذ بحق المطلوبين على قضايا مالية. بالتالي، يخطئ من يعتقد بأن العفو العام سيكون بديلا عن تمديد العمل بأمر الدفاع رقم (28)، أو بأنه طريقة قانونية سليمة لوقف العمل به وعدم تجديد سريانه. فالعفو العام إن كُتب له أن يرى النور، سيكون ورقة ضغط على رئيس الوزراء بإعادة تفعيل حبس المدين، ذلك على اعتبار أن السجون سيتم إفراغها من المجرمين المحكوم عليهم في قضايا جزائية، بالتالي لا مفر من الاستبدال بهم المدينين المتعثرين بقضايا مالية.

إن اكتظاظ السجون الأردنية هي ظاهرة وطنية مقلقة تدعونا إلى التفكير العميق في التعاطي معها، بحيث يتم تقديم الحلول المناسبة التي يجب ألا تكون على حساب المبادئ الثابتة في علم القانون، والتي تقوم على أساس إيقاع الجزاء المناسب على كل من يخالف النصوص القانونية، وبأن تنفيذ العقوبات الجزائية هو الأصل، ما يتم الإعفاء منها كطريق استثنائي يجب عدم التوسع في تفسيره وتطبيقه.

فمن المقترحات التي يمكن التفكير فيها لمعالجة هذه الظاهرة، مراجعة نصوص قانون منع الجرائم فيما يخص التوقيف الإداري لصالح ربط صلاحية الحاكم الإداري بالتوقيف بمدة زمنية معينة، وذلك أسوة بالتوقيف الجزائي في الجنايات والجنح، حيث جرى تقييد صلاحية النيابة العامة في التوقيف بفترات زمنية معينة واردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية.

كما يمكن اقتراح التوسع أكثر في مجال العقوبات البديلة السالبة للحرية، والتي تطبقها المحاكم الأردنية بنجاح منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة، وذلك من خلال ما تصدره من قرارات قضائية تتضمن فرض الخدمة والمراقبة المجتمعية، والرقابة الإلكترونية، وحظر ارتياد المحكوم عليه أماكن معنية لفترات زمنية محددة، والتي لم يكن لها أية أثار أو تبعات سلبية على الأمن والسلم المجتمعي في الأردن.

أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com








طباعة
  • المشاهدات: 1508
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
15-01-2023 08:25 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم