19-01-2023 01:22 PM
بقلم : الدكتور احمد الحسبان
من عمق الفشل والانكسار قد تنبت بذور النجاح والأمل، ومن طول الصمت قد تولد جميلات الكلمات، وما كتب العباقرة والفلاسفة اروع روياتهم الا بعد انعزال طويل، او انكسار حاد، وهذا ليس بغريب، فالدر مكمنه عميق البحار، ولا يطفو على سطوحها الا جيف الاسماك، فما كل ظهور بمحمود، ولا كل براق ذهبا.
النجاح لا يقاس بالاستحواذ على الملذات والمناصب، فالمال والبنون زينة الدنيا، قد تعطى للاغبياء كما تعطى للاغنياء، وقد تمنع عن الفقراء مثلما الاذكياء. النجاح الحقيقي هو نجاح النفس على النفس، نجاح الانا العليا على السفلى، نجاح خيرها على شرها، نجاح علوها على دناءتها.
لا يستطيع المرء قياس نجاحه بأدوات المحسوس من هذه الدنيا الزائلة، فالكل يؤمن بالمحسوس مما يرى ويسمع، ولكن القليل من يؤمن باللامحسوس من الغيب، وهنا تتفاوت العقول والنفوس، لذا كانت اولى ايات القرآن الكريم (الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون). الايمان بالغيب جاء قبل الصلاة، فما هي الا اثبات بالمحسوس على اللامحسوس .
فالملائكة حافون حول العرش - فلا عجب من إيمانهم بالله اذن، والانبياء اوحي اليهم فلا عجب من ايمانهم كذلك، وصحابة الرسل عاصروهم فلا عجب من ايمانهم ايضا، لكن عقلاء هذا الزمن المؤمنون بكتاب وجدوه امامهم، آمنوا به ولم يروا كيف نزل وعلى من نزل، هذا هو أعجب الايمان - وقد لا يكون بالضرورة احسنه او اعلاه - يكفي أقله.
الناس في ازدحام الاماكن مزعجون، يشوش بعضهم على بعض فيما يعتقدون، فكلٌ له معتقده المختلف عن غيره، حتى وان بدت صفوفهم متراصة، وقبلتهم واحدة، ويعبدون ربا واحدا، ما ان تتضارب مصالحهم مع غيرهم، او حتى مع انفسهم، تبدأ المعتقدات العميقة تتكلم، وتتبعها الجوارح تتصرف، لا أحد يتنازل عن مقتنيات عقله التي يعتقد انها الاصح رشدا، ويرى غيرها هي الاضل سبيلا.
ازدحام البشر حول مركزية المنطق هي سبب اختلاف قلوبهم عند اول انتشار عشوائي عن ذاك المركز، المعظم يطلق عنان عقله باتجاهات شعاعية ذات زوايا مختلفة، قد تبدو متناظرة متكاملة في البدايات، لكنها بعد تباعدها عن مركزية المنطق ستكون حتما متشعبة، ولن تلتقي مع الآخر اطلاقا، بل قد تكون معاكسة له تماما.
دوام النظر للماضي يحدد اتجاه المستقبل المشع، وليس اجراءً عبثيا، هو بمثابة تضبيط اجهزة الملاحة الذاتية في هذه الحياة، تماما مثل اجهزة ملاحة الطائرة، يتم معايرتها كل ستة أشهر لزوما، وعند كل شك ان معلوماتها لم تعد قادرة على تحقيق الدقة والمصداقية اللازمة لقائد الطائرة، من الممكن ان تضلله عن وجهته الاخيرة اذا تركت بلا معايرات مرجعية.
خلاصة القول، لا اقصد احدا سوى نفسي وبصوت عال، فلست بمقام الواعظ ولا العالم، لكن مقصد القول، ان (لا يضركم من ضل اذا اهتديتم)، وكيف لا نهتدي والنجوم لم تغب ولن تغيب، ولكن يبقى سبيل الرشد هو مقصد كل داعٍ في كل فجر، فما بين الخيط الابيض والاسود ظلمةٌ تمنع تمييزهما، ينتظر الصائم زوال حلكتها، ليكون صيامه صحيحاً - فقد يطول على خطأ.
عندما تصمت الاوهام.
د. احمد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-01-2023 01:22 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |