19-01-2023 01:23 PM
بقلم : السفير قيس شقير
أعاد اعتراض الشرطة الإسرائيلية زيارة السفير الأردني في إسرائيل للحرم القدسي الشريف الحديث عن المنهجية الاستفزازية الإسرائيلية لفرض وقائع على الأرض تمس الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى المبارك/ الحرم الشريف، والوصاية الهاشمية على الأماكن الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس الشريف.
وقد سبق للمجتمع الدولي أن رفض بشدةٍ استفزازات الحكومة الإسرائيلية هذه، واقتحام وزيرها المتطرف إيتامار بن غفير للمسجد الأقصى المبارك، عبرت عنه التغطية الإعلامية الدولية للحدث، وكذلك البيانات الرسمية الصادرة عن معظم دول العالم، رفضًا للاقتحام، وتأكيدًا على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس.
إن تكرار الاستفزازات الإسرائيلية يقتضي إعادة التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن في القدس بعدّها مدينةً محتلةً طبقًا لقرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، كما أنّ حماية هذه المواقع المقدسة هي مهمةٌ تاريخيةٌ شرفُ بها الهاشميون منذ عهد المغفور له – بإذن الله - الشريف الحسين بن علي عام 1922. وتم تأكيد هذا التفويض، بعد عامين، من قبل وفد فلسطينيٍ رسميٍ رأى في الشريف الحسين بن علي الخليفة المسلم الوحيد الذي يمكنه الحفاظ على الأماكن المقدسة، ورعايتها، وحماية أهلها.
وسبق أن أُدرجت الأماكن الإسلامية في القدس / الحرم القدسي الشريف وقفًا إسلاميًا من قبل سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين عام 1930. وأعادت معاهدة السلام الموقعة في عام 1994 بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل تأكيد دور الوصاية الهاشمية وأهميتها، والمنوطة- اليوم - بجلالة الملك عبد الله الثاني إبن الحسين المعظم بصفته الوصي على الأماكن الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس الشريف.
ويثير تسويغ إسرائيل لاقتحام بن غفير الحرم الشريف بأنه "زيارةٌ قصيرةٌ" السؤال: هل يمكن لاستعراض القوة من جانب إسرائيل في انتهاكٍ لالتزاماتها القانونية ومسؤولياتها - طبقًا للقانون الدولي - قوةً قائمةً بالاحتلال، أن يُعدّ زيارةً؟
إنّ من المؤسف أنّ تغطية معظم وسائل الإعلام الدولية لاقتحام المسجد الأقصى المبارك لجأت بقصد أو بغير قصد، إلى مفرداتٍ لا تعكس الواقع على الأرض، بما قد يتيح لإسرائيل مواصلة خروقاتها لقرارات الأمم المتحدة.
وسبق لوسائل الإعلام أن صوّرت قمع المصلين بالبنادق والغاز المسيل للدموع لدى اقتحام قوات الإحتلال الإسرائيلية للمسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك العام الماضي على أنه "صدامات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية"، الأمر الذي تكرر في تغطية جنازة الصحافية الفلسطينية الراحلة شيرين أبو عاقله. بل وحملت التغطية الإعلامية مفردةً إعلاميةً أحالت الحرم القدسي الشريف إلى "مجمع الأقصى"، و"مجمع جبل الهيكل".
إن استخدام المفردات في الإعلام له أهميته، ودلالته السياسية، إذ لا يمكن بحالٍ وصف اقتحام المسجد الأقصى "بالزيارة". فساحة المسجد الأقصى التي "اجتاحتها قوةٌ إسرائيليةُ مسلحةٌ مرافقة "لبن غفير"، تشكل جزءًا من الحرم القدسي الشريف، وهو وقفٌ إسلاميٌ بمساحته البالغة مئةً وأربعةً وأربعين ألف مترٍ مربعٍ. وليس المغزى هنا منع غير المسلمين من الوصول إلى الحرم الشريف، فالمادة التاسعة من معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل تنص على:
"يضمن كل طرفٍ حرية الوصول إلى الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية. وعلى هذا الأساس، تحترم إسرائيل الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية في القدس".
وإلى جانب ذلك ترعى الوصاية الهاشمية المقدسات المسيحية في القدس، فتحافظ على محاكم الكنائس بجميع طوائفها. ويطبق المسيحيون قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بهم من زواجٍ وطلاقٍ وميراثٍ. وينطبق الشيء نفسه على مجلس الكنائس، الذي يضمن حق أتباعها في مناهج المدارس الدينية الخاصة بهم، فيما يُمنح رؤساء الكنائس جوازات سفرٍ أردنيةً، ولا يمارس البطاركة ورؤساء الأساقفة واجباتهم الرسمية قبل الحصول على اعتمادٍ من لدن جلالة الملك.
وتفرض الاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة والتي طالت زيارة السفير الأردني للحرم القدسي الشريف، وهجمات المتطرفين الإسرائيليين مستوطنين ووزراء في حكومة اليمين الإسرائيلية الدينية المتطرفة، التأكيد على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس من جانب المجتمع الدولي بأسره، فهدف الحكومة الإسرائيلية من استفزازاتها تلك واضحٌ لا يبارح محاولة تغيير الواقع على الأرض، وحرمان الشعب الفلسطيني من حق إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، ضمن رؤية حل الدولتين، وقرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
وبمثل تلك السياسات الإسرائيلية الاستفزازية، لن يتحقق السلام في المنطقة أبدًا، وقد حان الوقت لمواجهة لب الصراع المتمثل باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، الاحتلال الأطول في تاريخنا الحديث، والممتد لعقود.
إنّ الطريق لتحقيق السلام يمر عبر المجتمع الدولي بدفع إسرائيل نحو إعادة مسار مفاوضات السلامٍ، وإدراك أن ما تقوم به من انتهاكاتٍ لحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس لن يفرض واقعًا على الأرض. ويبدو أن المجتمع الدولي قد استدرك موقفه الأخير المعارض لقرار الأمم المتحدة باستفتاء محكمة العدل الدولية بشأن شرعية الاحتلال وممارساته، من جانب دولٍ كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، وكندا، والمجر، وإيطاليا، والنمسا، والممتنع عن التصويت من جانب ثلاثٍ وخمسين دولةٍ منها دولٌ من الديمقراطيات الغربية كفرنسا، وفنلندا، واليونان، واليابان، وهولندا، والنرويج، والسويد، وسويسرا، والدنمارك، فبدأت في تغيير بعض مواقفها من حكومة نتنياهو بعد أن فرض عقوباتها الأخيرة على الشعب الفلسطيني، والمجتمع المدني الفلسطيني، والسلطة الفلسطينية، فوقّعت أربعٌ وعشرون دولةٌ من إجمالي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على البيان المشترك الصادر عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والذي يعرب عن القلق العميق حيال الإجراءات العقابية التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا، ومطالبتها بالتراجع عن تلك الإجراءات.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-01-2023 01:23 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |