21-01-2023 08:22 AM
بقلم : إبراهيم جابر إبراهيم
هل تخاض حروب التحرير للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من “تراب الزريعة الأحمر” أو من الجبال الساذجة الجرداء التي تتشعبط عليها عصرا قطعان الماعز؟
هل الوطن بضع أوراق من الخرائط الناشفة المشبعة بعرق ودخان المقاولين وتجار الأراضي!
يموت الجندي من أجل أن لا يَختلّ قوام الصحراء.
لكنّها لن تبقى ممشوقة في الحالتين، إذ يلزمنا متران من الأرض لكل واحدٍ إذا ما داومنا على ادخار الشهداء!
ما الأرض..؟!
من هو السيد “الوطن”؟
التراب المنعوف في الطرقات؟ أو ربما الطرقات ذاتها؟!
أم يموت الناس في المعارك من أجل هذا التراب الغبي الذي يبيعونه أكواما في الكسّارات؟!
أم هو دعوات أم لطفلها في الفجر قبل الدوام المدرسي.. ضحكةُ أبٍ لفتاته وهو يدسّ في جيبها مصروفاً إضافيا لم يلحظه الأولاد.. فتى ينقهر حزنا لأن ابنة الجيران نامت مخطوبة في تلك الليلة… ياسمينة تعربشت على حائط الجيران… عاملٌ توقف في الطريق ليعقد رباط حذائه… صبايا يافعات تحلّقن في جلسة نميمة… عائلة تتناقش في أنجع الطرق لشيّ السمك… شابٌ يحلق ذقنه استعداداً لليلة العرس… سائقٌ يشتم المشاة على الإشارة الضوئية… ولدٌ ماركسي يسخر من الحكومات… امرأة ابتسمت لغمزة عين الجار… جد تذمر من رسوب الأولاد في المدرسة… مراهقة لا تفرّط في رسائل العاشق الخائب.
الوطن ليس أكثر من هذه التفاصيل الصغيرة، المنمنمات الحمقاء، الأحداث التي لا تقدم أو تؤخر…
لذلك، ليس من الحكمة أبدا الاحتفاظ بوطن كل سكانه من الشهداء!
من السذاجة الاعتقاد بأن الوطن هو أكوام الرمل في ورش البناء، أو هي الإحداثيات التي يقترحها “مسّاح الأراضي” على زاوية المخطط!
فالذين يموتون في حروب التحرير وثورات الاستقلال هم غالباً الفقراء الذين لا يملكون شبرا واحدا من عقارات بلادهم!
يقول فتى إنه يموت من أجل الوطن ثم يموت من “البلهارسيا” في مستنقعات الوطن!
لكن الفكرة في الانشداد الغريزي إلى الرحم، إلى تلك العلاقة بين المكان والرواية “الجينية” المشوقة حول أديم الأرض… والأجساد التي راكمته من جلدها!
إلى ذلك الشغف بنوم القيلولة إزاء شجرة شخصية، أو فيء شخصي، أو بحدّ حائط شخصي جدا!
هي فكرة الدفاع عن سرير النوم.
التشبث بوسادة مرنغة بأحلام بالغة الخصوصية.
التعلق بأرض أقامت لك احتفالاً عارماً حين صرخت صرختك الأولى!
الأرض في المحصلة ليست هذا الجسد الصلد، المحشو بالماء والموتى..
ليست وجهتي نظر بين سمسارين مختلفين في سوق الشقق، وليست “أطلس الخرائط” في حقيبة تلميذ الابتدائي، أو تلك الذريعة التي يسوقها الشهداء في معرض تبرير الموت المبكر.
ليست شهوات اللاجئين، ولا حدائق البيوت المكسوة بالقرميد.
الوطن ليس أكثر، ولا أقل من تلك التنهيدة التي يطلقها غريب في قاعة مطار كبير… مطار بحجم العالم!
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-01-2023 08:22 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |