بقلم : علي القيسي
الشاعرة رنا بسيسو شاعرة جديدة على عالم الشعر وتعد من شعراء الجيل الجديد ، الذين برزت أسماؤهم كشعراء حقيقيين ، في الساحة الثقافية الأردنية والشاعرة رنا ظهرت من خلال ديوانها الشعري ( أنت وأنا) مثنويات والصادر عام ٢٠١٩ عن دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع
هذا الديوان يضم بين دفتيه ٩٥ قصيدة قصيرة جدا عبارة عن بيتين من الشعر ، وكل قصيدة في صفحة وعنوان خاص بها أما ما لفت انتباهي وشدني لدى قراءتي لهذه القصائد الجميلة ، التقنية والعمل والتركيز الفني واللغوي الذي جعل من هذه الأبيات الشعرية لوحات خالدة وتركت بصمات مستقلة للشاعرة ، من الصعب تقليدها من الآخرين ،، !
فهذه القصائد تذكرنا بالماضي وشعراء الشعر الجاهلي من أمثال أمروء القيس ، وزهير بن أبي سلمى ، وعمر ابن كلثوم ،،
قصائد وأبيات تذكرنا بالتراث العربي وأصول القصيدة العربية الكلاسكية في المعنى والمبنى واللغة والمجاز والصور الشعرية ،
فالشاعرة رنا كانت تنحت المفردات نحتا لتتوافق مع المعنى والمشاعر والدفق العاطفي والفكري ،وكأنها تريد أن تؤرخ هذا الديوان كي يأخذ حيزا ومكانة متميزة بين كتب ودواوين الشعر العالمية التي يشار اليها بالبنان والاهتمام ،، وهي بذلك تواكب الشعراء القدامى وتطمح بذلك !
فالقصائد في ديوان أنا وأنت ،،محكمة ومهندسة ومستقرة ،،وفي داخل كل قصيدة عمق أدبي وثقافي وفني ،،يصعب تجاهله والقفز عنه ،، فهناك الحكمة والمدح والرمز والحب والوله والعشق والحياة والطبيعة والوطن والكون ، ثمة حياة شاملة كاملة في داخل هذا الديوان العظيم والموسوم بمثنويات .
لا أريد الدخول في التفاصيل الفنية والتقنية التي بحاجة لدراسة ونقد عال المستوى من البحث والدراسة والتقييم والتي كتب عنها مقدم هذا الديوان د. محمد القضاه مشكورا ،
فالشاعرة بسيسو لم تترك لنا هامشا للنقد والمناورة ،، طالما حين كانت تكتب قصائدها كان في داخلها الرقيب والناقد حاضرا بفكرها وشعورها واحساسها حتى لاتفوتها صغيرة ولا كبيرة لا شاردة ولا واردة إلا عاينتها وقيمتها ومحصّتها ، حتى خرجت علينا بديوان شعري ناجح أيما نجاح .
تقول:
شاخ الضباب ولم يفق من نومه
وتفتقت من صدره الندب
هذا بيت يكتنز بالمجاز والمعنى المشفر والخيال المجنح ويبقى المعنى في ضمير الشاعرة .
وتقول
مبتورة المعنى يلاحقها مجاز
أصلم أو أجذم فالأعجمي

انها لغة سرية حقا فهناك البتر والمجاز والصلم والجذم وهذه المفردات حادة وتعاني الاعاقة بفهومها البدني ولكنها في ضمير الشاعرة ترمز الى أشياء أخرى
[22/‏1 8:24 م] البيت: فالشاعرة وظفت لغتها التشبيهية لغاية جوهرية غلفتها بمفردات تشي إلى عمق المأساة وفظاعتها في هذا البيت
أصلم ، أجذم ، أعجمي
مفردات دالة حقا
وللبلاغة أيضا وظيفة في لغتها تعكس مدى ارتباط المعاني والصور الشعرية باللغة العالية والراقية ،
تقول؛
لجمال عشقك ليلة لاتنجلي

ولدفء قلبك في الصباح بيارق

ففي هذا البيت يبدو عمق الحب والحنان واستحسان الجمال ، إلى حد أن تمنت أن الليل لا ينجلي أو أن هذه الليلة لاتنسى ولن تنسى لما فيها من لحظات وساعات ساحرة
حتى طلوع النهار وإشراقة الصباح فما زال قلبك ينبض دفئا وحبا وحنانا
فهذا يترجم ما جاء في العتبة العنوان( أنا وانت) فالنص العتبي يعكس الخصوصية والذاتية المزدوجة لهذا الديوان أنا وأنت ،،تحديد العلاقة وتسوريها لتضم في جنبات جدرانها رجل وامرأة
وهذا يعزز الصدق وسمو الغاية لدى الشاعرة رنا بسيسو في الوفاء والإخلاص
إن المتعمق في هذه القصائد يكتشف أن اسلوب الشاعرة دقيق في المعاني والألفاظ ومقتصد في الكلمات حسب الضرورة البلاغية والبيانية ،، فلا توجد كلمة خارج السياق وبلا فائدة ومكررة ،،

وثمة المجاز يطفح في هذا الديوان ، وهذا يشي إلى تمكن الشاعرة من أدواتها الفنية وصورها الشعرية التي ترفع مستوى النص الشعري وتمنحه جلالا وجمالا وعملا وسحرا ،،
وفي الختام أرجو أن اكون قد قدمت ما يستحق أو بعض مايستحق هذا الديوان الشعري من قراءة سريعة ومركزة ،، فخير الكلام ماقل ودل ، والايجاز المفيد يغني عن الاطناب الممل ،، راجيا للشاعرة رنا بسيسو المزيد من الابداع والتألق والاثراء الماتع للمكتبة العربية والاردنية بشكل خاص