23-01-2023 10:02 PM
بقلم : منصور السرحان
جميلة تلك الدعوات التي انتشرت مؤخرا بتطوير منظومة العمل الحزبي في الأردن، وتفعيل الحياة الحزبية خاصة في صفوف الأجيال الشابة التي تشكل الأغلبية في المجتمع. والغريب ان جهات مختلفة ادعت بانها صاحبة الفكرة وحاولت كل منها احتكارها لنفسها بدءا من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الى مجلس الامة وصولا الى الاحزاب القائمة نفسها وانتهاء بما يسمى مؤسسات المجتمع المدني ووسائط الاعلام بشقيها الرسمي والخاص. ولكن يبدو ان الجميع تناسوا عن قصد او غير ذلك ان بداية الدعوة كانت صدرت من رأس الدولة جلالة الملك المعظم ومنذ سنوات خلت، لكن كل أولئك لم يلتقطوا تلك الإشارات الملكية في حينه، ولم يأخذوها على محمل الجد إلا بعد المبادرة الملكية السامية بإنشاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في المملكة، والتي تفرع عنها عدة لجان فرعية متخصصة استكمالا لتحقيق الرؤية الملكية واهدافها.
من الأدبيات الأساسية في العمل السياسي وأعني العمل الحزبي تحديدا أن يتم البدء بتكوير الثقافة الحزبية في المجتمع قبل تأسيس وانتشار الأحزاب نفسها. يجب مراجعة الماضي والوقوف عند الوضع الراهن واستشراف المستقبل حتى نتمكن من تحديد المعيقات ونقاط الضعف ونعالجها ومعرفة نقاط القوة والبناء عليها، ويمكن في هذا السياق استخدام بعض المنهجيات التحليلية مثل نموذج أو منهجية " SWOT" التي تتناول نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والتهديدات، ومنها نتوصل إلى الأسلوب الأمثل في تطوير عملية حزبية ترقى لمستوى من النجاح الذي قد لا يتحقق كليا الا على المدى المتوسط او الطويل.
جميعنا يدرك حجم التحديات التي تواجه المجتمع والتي بالتأكيد تشكل عائقا أمام العمل السياسي برمته بما في ذلك الجزئية المتعلقة بالعمل الحزبي. ونبدأ بالوضع الاقتصادي الراهن وهو برأيي جوهر التحديات التي يواجهها المجتمع وجيل الشباب الذين هم عماد العملية السياسية والحزبية وهدفها الرئيس، فالبطالة المرتفعة وعدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة والفساد والمحسوبية كلها عناصر فاقمت من الوضع الاقتصادي المتردي أصلا نتيجة مسببات داخلية وخارجية. فالسؤال المطروح هل يتم البدء بإيجاد الحلول لهذه المشاكل أولا والانطلاق بعد ذلك إلى نقطة البداية الصحيحة؟ أم يتم العمل بمسارين متوازيين يجري فيهما وبالتزامن حل الإشكالات والمعيقات الاجتماعية والبدء بعملية نشر ثقافة حزبية؟ أم يتم التركيز على العملية الحزبية وتأجيل النظر في القضايا الاقتصادية على أمل نجاح الأحزاب مستقبلا في إفراز قيادات وانتاج آليات قادرة على إيجاد الحلول؟ كل هذه أسئلة مطروحة ومتداولة ولكن تبقى الإجابة عليها غامضة أو يتم تجاهلها من قبل الجهات ذات العلاقة أو ذات المصلحة.
بالعودة لما ذكرته بداية عن البدء بتطوير ثقافة حزبية مجتمعية قبل البدء بآجراءات تأسيس الأحزاب، فنجاح العمل الحزبي مرهون بنشر وتجذير ثقافة حزبية تقوم بداية على مبدأ التقبل لفكرة الحزب ثم الاقبال طواعية وعن قناعة بالانضمام للاحزاب.
يجب بداية إزالة التعارض بين فكرة المواطنة وفكرة الاحجام عن التحزب التي تشكلت عبر عقود من تحريم واحيانا تجريم العمل الحزب في مرحلة من مراحل عمر الدولة الاردنية. قد نحد بشكل أو بآخر التبرير لكلا الاتجاهين استنادا إلى ظروف وجودية هددت كيان الدولة بمكوناتها وخصوصا المكون المجتمعي.
ويجب ان نقر بانه ليس من السهل الوصول إلى المستوى المثالي من الثقافة الحزبية بين عشية وضحاها، أو بمحرد القيام بزيارات المجاملة والاجتماعات غير المنظمة وغير الهادفة والتي تنتهج سياسة مداعبة العواطف والخطب الرنانة واستخدام وساىط التواصل الاجتماعي التي تركز على الشكل والاطار اكثر من الفكرة والاليات.
يجب ان تكون الطروحات والافكار تحمل في طياتها العمق المطلوب الذي يخاطب العقول لا العواطف والافكار لا الآراء الشخصية المجردة. يجب على منظري الاحزاب ودعاتها التشاركية في تحديد المشكلات وابتكار الحلول المنطقية القابلة للتطبيق.
وأخيرا، يبقى نجاح العملية السياسية بعمومها والحزبية على وجه الخصوص رهينا بتظافر جهود تشاركية منتظمة ومنظمة وقائنة على أسس وأبعاد منطقية بعيدا عن الانتفاع الشخصي والوجاهة، وأن ننتقل من مرحلة اجترار أفكار بالية لم تعد تصلح لعصرنا الذي تسارعت فيه الخطى بسبب التقدم التقني الهائل، والوصول وابتكار منهجيات ومقاربات حديثة تخاطب جيلا مختلفا من حيث التطلعات والفكر وحتى الثقافة وبالتالي استخدام وسائل الاقناع القائمة على المنطق والصدق وتبادل الأفكار والرؤى.