24-01-2023 08:49 AM
سرايا - تشكل المعادن ثروات طبيعية قيّمة لكثير من الدول، وبعضها يعتبر باهظ الثمن بسبب ندرته في الطبيعة، لكن هل تساءلتم مسبقاً: ما المعدن الأكثر ندرة على وجه الأرض؟
المعدن الأكثر ندرة على وجه الأرض
قبل أن نحدثكم عن هذا المعدن النادر، دعونا نعرّف المعادن أولاً. تُعرِّف الجمعية الجيولوجية الأمريكية المعادن بأنها عبارة عن عناصر أو مركبات غير عضوية تتشكل طبيعياً في باطن الأرض، أي إنها لا تحتوي على الكربون. ويظهر اختلاف المعادن في ترتيب بنيتها الداخلية، كما يتمتع كل معدنٍ بتركيبةٍ كيميائية فريدة. ويختلف الشكل الذي تأخذه بلورات كل المعدن، وكذلك بقية خواصه الفيزيائية الأخرى.
أما عن أندر المعادن في كوكبنا فهو معدن الكياوثويت. وهو نادر لدرجة أنه لا توجد سوى بلورة واحدة معروفة منه في الكوكب بأكمله، وقد عُثِرَ عليها في منطقة موغوك بميانمار. وتصف قاعدة بيانات المعادن Caltech تلك البلورة بأنها حجر كريم باللون البرتقالي الداكن وبوزن 1.61 قيراط، وقد اعترفت به الجمعية الدولية للمعادن رسمياً في عام 2015.
ثاني أندر المعادن في الكوكب
لسوء الحظ لا يوجد كثير من المعلومات المتوافرة عن الكياوثويت، لهذا سننتقل إلى ثاني أندر المعادن على الإطلاق، وهو البيانيت.
يظهر البيانيت في صورة بلورات سداسية بالأحمر الداكن (مع بعض الاستثناءات وردية اللون).
وربما أصبح العثور على البيانيت أسهل في هذه الأيام، لكنه يظل من المعادن النادرة، فضلاً عن أن تركيبته الكيميائية تجعل منه لغزاً علمياً يثير الحيرة.
إذ حصل تاجر وجامع المجوهرات الإنجليزي آرثر باين على بلورتين باللون القرمزي في ميانمار عام 1952، وفقاً لأستاذ علم المعادن في CalTech جورج روسمان. ويُجري روسمان أبحاثه على معدن البيانيت منذ الثمانينيات، ويحتفظ بقاعدة بيانات شاملة تضم جميع العينات التي حلّلها تحت المجهر.
وظن باين أنهما بلورتان من الياقوت في البداية، لأن المنطقة تشتهر بالياقوت. لكنه لم يكن يعلم أنهما أكثر ندرةً من الياقوت في الواقع.
حيث يُعثر على معدن البيانيت (المستوحى من اسم باين) إلى جانب الياقوت والأحجار الكريمة الأخرى أحياناً؛ مما يفسر سبب افتراض باين أن البلورتين كانتا عبارةً عن ياقوت، وذلك عندما تبرع بهما للمتحف البريطاني عام 1954 من أجل أغراض الدراسة، بحسب روسمان. بينما ظهرت عينة بيانيت أخرى في ميانمار عام 1979. وظلت تلك البلورات هي النسخ الوحيدة المعروفة من البيانيت في العالم حتى عام 2001.
وقد حلّل روسمان أول بلورة بيانيت، والمعروفة باسم بيانيت 1، في وقتٍ لاحق.
ونشر آخر دراساته عن البيانيت في دورية Mineralogical Magazine العلمية عام 2018.
وحدد روسمان العناصر التي تدخل في تركيبة البيانيت خلال هذا البحث. إذ اعتمد على مطيافية الأشعة تحت الحمراء لتحديد العناصر بناءً على طريقة امتصاصها، وعكسها، وإرسالها للضوء.
بينما اكتشف روسمان خطأ في التركيبة الكيميائية الأصلية التي وضعها علماء المتحف البريطاني. حيث نجحوا في التعرف على الألومنيوم، والبورون، والكالسيوم، والأوكسجين. لكنهم لم يكتشفوا عنصر الزركونيوم. واكتشف روسمان أيضاً السر الذي يجعل لون البيانيت يميل إلى الحمرة، ألا وهو احتواء المعدن على كميات بسيطة من الفاناديوم والكروم. ولهذا يبدو البيانيت شبيهاً بالياقوت أحياناً.
ما سر ندرة هذا المعدن؟
السبب الأول هو أنه موجود في ميانمار فقط، لكن السبب الثاني يكمُن في تكوين البيانيت. إذ يُعَدُّ البيانيت من معادن البورات، أي إنه يحتوي على البورون. كما يحتوي على الزركونيوم أيضاً. ويُذكر أن البورون يواجه صعوبةً شديدة في الارتباط بالزركونيوم. ويعتبر البيانيت بمثابة المعدن الوحيد الذي يجمع بين هذين العنصرين في الطبيعة.
ومن الجدير بالذكر أنه قد أُرسِلَت إلى روسمان العديد من البلورات التي يُشتبه في أنها بيانيت، وذلك حتى يتعرف عليها. وظلت بعض البلورات مخفيةً على مرمى البصر لعقود طويلة، لأنها كانت تُخزن في الحقائب مع الأحجار الكريمة الصلبة، أو لأنها وقعت في أيدي تجار وهواة أخطأوا في التعرف عليها.
وأوضح روسمان أنه يصعب الحصول على بلورات البيانيت المناسبة للمجوهرات الفاخرة، بينما يصل سعر البيانيت إلى 60.000 دولار للقيراط الواحد. وقد يتحدد السعر بناءً على التقييم الشخصي، لكن قلة عدد العيوب ترفع قيمة البلورة بالتبعية.
لماذا في ميانمار؟
وفقاً لما ورد في موقع Live Science الأمريكي، تعتبر ميانمار موطناً لهذه المعادن النادرة للسبب الآتي:
بدأت قارة غندوانا العظيمة في الانفصال قبل نحو 180 مليون سنة، وعندها زحفت الهند شمالاً واصطدمت بالمنطقة التي تُعرف بجنوب آسيا اليوم. وقد أدى الضغط والحرارة نتيجة الاصطدام إلى تكوين كنز دفين من الصخور، وغالبيتها من الأحجار الكريمة. ويعتقد روسمان أن البورون الموجود في البيانيت، وغيره من معادن البلورات، ربما جاء من البحار الضحلة المحيطة بالكتلة الأرضية حديثة التشكيل.
ويجب الإشارة هنا إلى المخاوف الأخلاقية المرتبطة بالتعدين في ميانمار، حيث تنشر منظمة هيومن رايتس ووتش الوعي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان من جانب الحكومة العسكرية، التي تتربح من صناعة التعدين. وتعتمد صناعة التعدين في ميانمار على المناجم غير الآمنة والموبوءة بالأمراض، والعمل بالسخرة، وعمالة الأطفال. وترفض بعض شركات المجوهرات شراء الأحجار الكريمة المستخرجة من ميانمار لهذا السبب، بينما يرفض بعض العلماء دراسة العينات من ذلك البلد.