31-01-2023 03:36 PM
بقلم : د. أماني جرار
فيلادلفيا، حين تدخل بوابتها صباحاً، وكأنك تلج صرحاً يجسد المكان والزمان، ويضفي عليك جماليات تفسر الأمر كعاطفة تحاكي الخيال في فضاء مفتوح على كوامن النفس والعقل والروح، لتستقر في وجداني حين أدخل بوابتها (فيلادلفيا) ..كلمات درويش: لا تتركيني تماماً، ولا تأخذيني تماماً، ضعي في المكان الصحيح الزمان الصحيح، فأنت السبيل وأنت الدليل.
إن التعليم العالي هو الواجهة العلمية والحضارية لأي دولة في الوطن العربي، وهو الركيزة الرئيسية للواقع العلمي والتربوي، والنواة المهمة لأي مجتمع يسعى للتنمية المستدامة، لا سيما في ظل التطور السريع الذي يشهده العالم في مجال التكنولوجيا. كما أن للتعليم العالي دوراً محورياً في احداث التحولات الاجتماعية والاقتصادية من خلال التحليل العميق للمشكلات التي تواجه الدول العربية في سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو الفارق الأساس بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة. كما أنه الأداة التي يمكن بواسطتها القضاء على الفقر والجهل، ومحاربة البطالة، وتعميق مفهوم الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان. ولكي يتحول المجتمع من مجتمع تقليدي الى مجتمع عصري متقدم، لا بد من توجيه مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي على وجه العموم، وفي الأردن على وجه الخصوص للتفكير خارج الصندوق عند رسم خططها الاستراتيجية، وعند تحديد أولويات المواصفات والمعايير التي يجب أن يتحلى بها خريجو هذه المؤسسات من طلبة يتمتعون بمهارات التفكير الناقد، ويتقنون التعامل مع التقنيات الحديثة في شتى المجالات، ويوظفون ما تعلموه في خلق الأفكار الجديدة عبر مفهوم الإبداع والتميز الحقيقي المطبق على أرض الواقع، وريادة الأعمال، والذي تنعكس نتائجه على الفرد والمجتمع والدولة.
ولعل من التحديات البارزة التي يعاني منها التعليم العالي في العالم العربي البحث العلمي، الذي يتناقص ويضمحل بشكل مستمر، حيث نجد انخفاض الإنتاج العلمي العربي مقارنة بالدول المتقدمة؛ ولعل السبب يعود إلى تقليص تمويل الجامعات، والأموال المخصصة للتعليم وجودته، وتدني الدعم المعنوي وهجرة الكفاءات. ولكي تكتمل الصورة في تحليل واقع التعليم العالي في العالم العربي، لا بد من تحرير العقول على مستوى الأفراد والجماعات، والمؤسسات. ولا بد من ترسيخ مفاهيم التعاون العربي المشترك في مجال التعليم العالي، وكذلك التأطير لمفهومي التحديث والإصلاح عبر منظومة من القيم والأهداف التي يقودها الشباب الجامعي لإحداث ثورة علمية وفكرية وتقنية تحقق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وبحيث تنهض بالوطن العربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً وحضارياً.
ومع التطور التقني والازدهار الاقتصادي يظهر الدور الأكبر للجامعات ومؤسسات التعليم العالي في إحداث وتسيير عجلة التنمية، فالتعليم ينبغي ان ينصب على دراسة أوضاع المجتمع، ومعرفة احتياجاته والمشكلات والعوائق التي تواجه مسيرته، وسبل النهوض به، والعمل على تلبية تلك الاحتياجات، وايجاد الحلول لهذه المشكلات والعوائق التي تعترض مسيرته التنموية. وبالتالي يجب أن ينصب التركيز على محتوى مناهج التعليم العالي، وما تتضمنه من مخزون علمي حديث يواكب التقدم الهائل في مجال المعارف والتكنولوجيا، محتوى يمكنه تلبية احتياجات المجتمع ومطالبه التنموية، وبذلك تكون مؤسسات التعليم العالي وسيلة رئيسة في اعداد القوى البشرية المؤهلة.
ولكي تتضح العلاقة الوثيقة بين التعليم العالي والتنمية بمفهومها الشامل والمستدام في مراعاة حاجات الأجيال القادمة، لا بد أن تشمل عملية التحول في البناء الاقتصادي والاجتماعي الى زيادة الانتاج، وتوفير الحاجات الأساسية للفرد، وزيادة متوسط دخله، وتحقيق مطالبه وطموحاته، ومن ثم توسيع خياراته، ليكون عنصراً فاعلاً في مجتمعه، مدركا لمفهوم الخدمة والعمل الإنساني سواء على المستوى المحلي أو الاقليمي أو الدولي، لينتج فرداً ايجابيا يؤسس لمفهوم السلام وحقوق الإنسان.