04-02-2023 08:38 AM
بقلم : الدكتور فارس محمد العمارات
يشكّل الجانب العقائدي عنصراً فاعلاً في المكون الوطني للنضال والمقاومة الفلسطينية، ولكن من الجانب الحيوي لهذا النضال يتخوف الاحتلال من ان ألا يتغلّب فيه الجانب العقائدي على الجانب الوطني، وإلا فإنه يُغامر. أي الاحتلال في أن يخسر في مُجابهة المقاومة بشكل يختلف كل يوم عن سابقه وبشكل لا يتوقعه .
وهنا لا يحتاج الامر للتأمل كثيراً في ما يحدث في حي الشيخ جرّاح في القدس والاحياء المقدسية الاخرى لمُلاحظة مدى قدرة المُحتل على امتهان فكرة الديمقراطية، الا انه يمتهن اجراءات اخرى في شكلها تُشكل نوعاً من الغطرسة والفصل العنصري الغير مسبوق ، كما سبق للحركة الصهيونية أن توسّلت فكرة الاشتراكية وامتهنتها في بداية تأسيس المشروع الاحتلالي،أي انه مقطع من تاريخ القضية الفلسطينية الطويل ، الذي كشف الوجوه المُزيفة ، ويكشف كيف يمكن أن تكون الديمقراطية المُزيفة وسيلةً في يد المُغتصبين لسلب حقوق الآخرين اصحاب الارض والحق . خاصة انه يتغلف تهجير الفلسطينيين في الحي المقدسي بطابع قانوني، وسندات مٌلكية، وسندات مُضادّة، ويُعرض على محاكم الاحتلال لتقول كلمتها في الأمر، وهذه المحاكم التي تستند إلى قوانين فارغة غايتها مصادرة الأرض، لا تستند إلى شرعية ، كقانون أملاك الغائبين لعام "1950" ، الذي ينقل أملاك الفلسطينيين في وطنهم" 1948 "إلى حوزة الدولة، الدولة العنكبوتية التي احتلت فلسطين وهجّرت أهلها.
ان التناقض المتأصل في تكوين دولة الاحتلال التي بُنيت على جرف هاو سينهار في النار ، وما شاب ويشوب تاريخ نشوئها هو بين الاغتصاب والديمقراطية. حاجة الاحتلال للديمقراطية لا تنبع فقط من حرصها على مظهر الانتماء إلى الحضارة الديمقراطية الغربية السائدة اليوم، لتبدو واحةً مضاءةً وسط بقعةٍ يسودها الاستبداد والتخلف، بل أيضاً من قدرة الآليات الديمقراطية على استيعاب التباينات الواسعة بين اليهود الذين يشكلون شعب المُحتل. غير أن هذه الديمقراطية "اليهودية" هي في الواقع أداة اغتصاب أرض وتجريد شعب آخر من حقوقه.
ان ما يقوم به الاحتلال على تنفيذ خيار التهجير، لأن خيار (الإبادة) لم يعد مُتاحاً في الظروف العالمية المعاصرة يخترق هذا التناقض تاريخ الديمقراطيات، سواء في حقبة الاستعمار المباشر، أو بعدها. والديمقراطية بوصفها آليات حكم ومبادئ عدل وقيم إنسانية، هي للداخل فقط، فيما تغتصب هذه الديمقراطية "الداخلية" حقوق شعوب في الخارج. الاختلاف الإسرائيلي هو في أن خارجها جزء من داخلها، وأنها، بطبيعتها الاستيطانية التوسعية، تستدخل الخارج لتبتلعه، وهي لذلك لا تستطيع إلا أن تجمع ديمقراطيتها إلى نوعٍ من التمييز العنصري القائم على عنصرَي القومية والدين. وهذا تناقضٌ متأصلٌ لا يمكن للاحتلال تجاوزه إلا في أحد اتجاهين، أن تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وبدولة فلسطينية لها حدود ثابتة، وهذا ما يدحض السلام الهزيل الذي مر عليه سنين طويلة ، وهو ما تم من مراوغات طويلة ذهب ضحيتها دماء كثيرة ، واجلت انتهاء الاحتلال ، وزعزعة بقاءه في ارض مُحتله كان من الواجب الا ان يكون فيها بغض النظر عن العوامل السياسية والعسكرية الهشة التي رافقت تلك السنوات العجاف .
ان الحل البديل لا بد ان يكون في دعم حركة المقاومة التي لن تنتهي الا بانتهاء الاحتلال مهما كان وراءه بعض من الذين باعوا وطبعوا بعيداً عن أي عوامل ذات أهمية تدعو لذلك ، وإذا كان استقرار النضال والمقاومة الفلسطينية على أرض دينية سيجعله أقدر على الحشد والصمود ، ولن يعترف الاحتلال بحقوق الشعب الفلسطيني ما لم تُرغم على ذلك، ولا يبدو هذا الأمر قريباً ولا يلوح في الافق .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-02-2023 08:38 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |