06-02-2023 10:53 AM
بقلم : محمد يونس العبادي
مع البيعة بالخلافة للشريف الحسين بن علي في عمّان، في أذار عام 1924م، ظهرت بوادر وحدةٍ بين الحواضر العربية والإسلامية، مؤسسةً لحالةٍ فريدةٍ في تاريخنا المعاصر.
فالبيعة للشريف الحسين بن علي، هي واحدة من سيرته (طيب الله ثراه) والتي تروي جانباً من جهاده، وسعيه لوحدة العرب والمسلمين، وهي بيعة مرتبطة بتاريخنا الأردني المعاصر، ذلك أنّ مراسمها، والمخاطبات بشأنها جرت في عمّان، على مدار فترة إقامة الشريف الحسين بن علي، والتي بلغت شهرين ويومين، منذ 18 كانون الثاني إلى 20 أذار سنة 1924م.
ومن بين أبرز وثائق هذه البيعة، المنشور الذي أذاعه الشريف الحسين بن علي، في 31 أذار، من ذات العام، وأهميته أنه أوضح وجهة نظره، ووثق وبيّن أسباب قبوله بهذه البيعة، وسياقاتها.
إذ يقول (طيب الله ثراه): "إن إقدام حكومة انقرة بإلغاء الخلافة.. جعل أولي الرأي والحل والعقد من علماء الدين المبين في الحرمين الشريفين، والمسجد الأقصى وما جاورهما من البلدان والأمصار، يفاجئوننا ويلزموننا، ببيعتهم بالإمام الكبرى، والخلافة العظمى، عوضاً عن إقامة شعائر الدين، وصيام الشرع المبين، أبسطه لعدم جواز بقاء المسلمين أكثر من ثلاثة أيام بلا إمام كما يفهم صراحة من توصية الفاروق الأكرم رضي الله عنه لأهل الشورى".
ويذكر الشريف الحسين، أنه "لما كانت المملكة الهاشمية والقطعة المباركة الحجازية مهد الإسلام ومحل ظهوره ومطالع نوره وكانت مصونة بعنايته تعالى من كل شائبة في حالتيها السابقة والحاضرة ولا سيما العمل فيها بأحكام كتاب الله وسنّة رسوله بجميع خصوصياته وعمومياته وانطباق حكم البيعة المشروعة من المبايع والمبايع له انطباقاً لا يتصور حصوله في أي مملكة أخرى في الوقت الحاضر كان حقاً علينا إجابة ذلك الطلب الديني المشروع، بعد الاتكال على الله سبحانه وتعالى واستمداد روحانية نبيه صلى الله عليه وسلم".
ومما يعبر عن الخُلق الهاشمي الكريم، في هذه البيعة، قول الشريف الحسين، في ذات المنشور: " وإنه لما كانت العائلة العثمانية ممن سبقت لها خدمات لا تنكر ومفاخر لا تستحقر للإسلام والمسلمين، ولما كان الحكم الأخير عليهم مما تتفتت له الأكباد وتنفطر منه المهج، رأينا من واجب أخوّة الإسلام أن نهيء لها ما يساعدها بما يقوم بأودها ويدفع عنها الغائلة في أمر معاشها".
هذه البيعة بالخلاقة، وهي آخر عهد أمتنا بالخلافة جاءت بعد قرار المجلس الوطني الكبير في أنقرة إلغاء الخلافة من تركيا وخلع الخليفة عبد المجيد، في الثالث من أذار1924م.
فما إنّ ذاع هذا الخبر حتى اتجهت أنظار العالم الإسلامي إلى الملك الحسين بن علي ملك الحجاز، ومعظم برقيات ووفود البيعة بالخلافة، أقروا له (طيب الله ثراه) هذا الحق، كونه قرب الناس إلى الخلافة بحق تحدّره من الدوحة النبوية الشريفة وكونه سليل النبي القرشي.
ومن أهم مراسم البيعة بالخلافة، هي بيعة فلسطين، حيث اجتمع وجهاؤها، ورجال الدين فيها، في القدس، وعقدوا جلسة في قاعة المجلس الإسلامي الأعلى صباح يوم الاثنين في 10 آذار سنة 1934م.
إذ تروي الوثائق، أن جلسات ٍعقدت "برئاسة الحاج أمين الحسيني وحضور علماء المسلمين وأشرفهم وقضاتهم وأهل الحلّ والعقد ومندوبي جهات فلسطين، وقد تعيّن السيد شكري التاجي كاتباً لتسجيل المقررات وتباحثوا ملياً في الأمر الجلل الذي أتوا لأجله."
وأصدروا صك البيعة بالخلافة للشريف الحسين بن علي، وجرت هذه البيعة بالمسجد الأقصى، وكتبت على نسختين، مع قلمين، سلمت إحداها للشريف الحسين بن علي في الشونة، ونصها: "نحن مفتي وقضاة وأشراف وفود البلاد الفلسطينية، أهل الحل والعقد بايعنا صاحب الجلالة الهاشمية ملك العرب الحسين بن علي بن عون الهاشمي بالخلافة الإسلامية على أن يكون الأمر شورى، كما أمر الله تعالى وعلى أن لا يجري ما يخالف المصلحة العامة للمسلمين وأن لا يكون البت في أمر البلاد الفلسطينية وفي شكل حكومتها ورأيها إلّا برأي أهلها".
وفي 11 آذار سنة 1924م ذهبت الوفود الفلسطينية سلمت النسخة للشريف الحسين، في الشونة، وأجاب بيعتهم بالقول: "إنني أقبل البيعة على كتاب الله وسنة رسوله وأعاهد الله وأعاهدكم بأن الخلافة لم تزدني في خدمة الإسلام عامة والقضية العربية خاصة شيئاً لم أكن عليه قبلها فإني ما زلت ولا أزال شديد التمسك حتى آخر رمق من حياتي بالمبادىء التي قامت عليها النهضة العربية".
ومن أهم ملامح هذه البيعة بالخلافة، بأنها جرت بالحرمين الشريفين مراسمها، وخطت وثائقها، ففي المسجد الأقصـى خطت وثيقة البيعة بالخلافة، وفي الحرمين الشريفين، جرت أيضا، وخطت وثائق ومراسم البيعة.
هي بعض وثائق من تاريخنا تروي محطاتٍ وسيرٍ هامة، لتاريخنا الأردني، وأدوار ملوك بني هاشم .