08-02-2023 08:26 AM
سرايا - قال وزير الثقافة الأسبق والأكاديمي والشاعر د. صلاح جرار “إن المثقفين هم الحراس الحقيقيون على ثوابت الأمة وعقيدتها وفكرها وقيمها وتراثها ومقدساتها، ومتى اضطر أهل السياسة والاقتصاد إلى شيء من الرضوخ والتنازل عن بعض الثوابت أمام ضغط التحديات، فإن على المثقفين أن يسدوا الفراغ ويتمسكوا بمواقفهم ويحاولوا كبح جماح أهل السياسة والمال عن مزيد من التنازل، فالثقافة هي أهم مقومات المنعة والصمود والمقاومة والثبات في الأمة، وهي الجدار الأخير الأقوى والأكثر حصانة أمام التحديات التي تواجه الأمة”.
جاء ذلك في الحوارية التي نظمها منتدى الفكر العربي، حول “الثقافة العربية في مواجهة التحديات المستجدة”، التي تحدث فيها جرار وأدارها؛ حيث شارك فيها أكاديميون من الدول العربية وهم: من الأردن، كل من : د. إبراهيم بدران، ومدير مديرية ثقافة محافظة الطفيلة د.سالم الفقير، وأستاذ التاريخ في جامعة اليرموك د. رياض ياسين، والباحث كايد هاشم، ومن تونس أستاذة اللغة العربية في جامعة الشارقة بالإمارات الدكتورة ليلى العبيدي، ومن عُمان الكاتبة والأكاديمية في جامعة السلطان قابوس في عُمان الدكتورة عزيزة الطائي، ومن مصر، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ورئيس هيئة المخطوطات الإسلامية د. أيمن فؤاد السيد.
ورأى جرار، أن موقف المثقف المتفرج المحايد، هو موقف سلبي، ويجرد المثقف من هويته المجتمعية، فالمجتمع هو الذي منحه صفة المثقف، من أجل أن يمارس دوره في خدمة المجتمع، فعندما يتخلى عن هذا الدور فإنه يصبح غير جدير بصفة المثقف، لافتا إلى أنها مقترنة بالعمل وليس بالسكون، ومن أهم الأوقات والظروف التي يحتاج فيها المجتمع إلى المثقفين؛ أوقات النزاعات والانقسامات التي تصيب المجتمع أحياناً نتيجة عوامل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وقال جرار إن نجاح المثقف في أداء دوره في تعزيز الجبهة الداخلية هو “نجاح له في تعزيز قدرة المجتمع على مواجهة التحديات الخارجية”، لأن المجتمع الآمن المستقر المتماسك أكثر قدرة على مواجهة التحديات الخارجية من المجتمع القلق والمتمزق، لذلك فإن دور المثقف في هذه الحالة هو امتداد لدوره في مواجهة الخلل الاجتماعي، منوها إلى أن طريقة التعامل مع التحديات الخارجية تختلف بشكل جذري عن التعامل مع التحديات الداخلية للمجتمع، ففي مواجهة التحديات الخارجية على المثقف أن يلتزم بالوقوف إلى جانب وطنه ومجتمعه ضد العدو الخارجي دون أي تردد أو مساومة، أما في الصراعات الداخلية، فعلى المثقف أن يكون بعيداً عن التعصب والتطرف.
وقال جرار، إن الأديب والفنان والمثقف يستطيع، بإبداعه وعمله الثقافي، التبشير بواقع أفضل ومستقبل أفضل للمجتمع والوطن والأمة في مختلف المجالات، وذلك من خلال تجسيد ما يتطلعون إليه في عمل شعري أو روائي أو مسرحي أو سينمائي أو مقالي أو بحثي أو غير ذلك، مبينا أن الثقافة يجب أن تكون حاضرة في مختلف مجالات الحياة وأن تترك بصمتها فيها.
وأشار جرار، إلى أهمية ودور التثقيف التاريخي والسياسي والقانوني في ترسيخ قيم العدالة وبناء الوعي وبناء القدرة على استشراف المستقبل، مؤكداً ضرورة توظيف الموروث الثقافي العربي بمجالاته المختلفة التاريخية والأدبية والفقهية والفلسفية في التصدي للأخطار والتحديات التي تواجه الأمة، وإعادة التلاحم والتماسك ونبذ الخلافات.
وخلص جرار إلى طرح السؤال الآتي “إلى أي مدى يتحمل المثقفون والعمل الثقافي مسؤولية الأمن المجتمعي واستقرار المجتمع وتقدمه ونهضته؟ وإلى أي مدى يمكن تحميل الثقافة والعمل الثقافي مسؤولية الاختلالات الاجتماعية والإخفاق في مواجهة الانقسامات الداخلية والتحديات الخارجية؟”.
ومن جانبه، أوضح د. إبراهيم بدران، دور المثقف في المجتمع وأهمية انفتاحه على الأمم الأخرى وتقدمها، وقال إن ثقافة العلم والمعرفة أصبحت جزءاً من ثقافة النخب والثقافة السياسية وثقافة الدولة، وإن السلوك الكلي للدولة والأمة يرتبط بشكل أساسي بالثقافة المجتمعية المرتبطة بدورها بالحالة الإنتاجية والاقتصادية.
وتناول د. رياض ياسين ثقافة الالتباس وتعدد الثقافات في الوطن العربي، وقيمة الثقافة العربية وإسهاماتها عالمياً، وأهمية تعليم الثقافة العلمية واقتصاد المعرفة، مبينا أن دور المثقف التنويري يحتم عليه الاشتباك مع القضايا والتح ديات الداخلية والخارجية التي تواجه المجتمع.
وأشار د. سالم الفقير، إلى دور المثقفين الأردنيين في مواجهة التحديات، وإلى مفهوم الثقافة والكلمة لكونها الأداة الأقوى من أدوات المثقف، موضحاً أن الفكر العربي الذي يتعامل معه المثقف اليوم يختلف كثيراً عن الفكر الذي ساد خلال السنوات السابقة نتيجة انفتاحه على العالم، مبيناً أننا بحاجة إلى صناعة ثقافة عربية حقيقية تقوم على رؤية وفكر جديدين.
ومن جانبه، قال الكاتب والباحث كايد هاشم “نحن بحاجة إلى عملية تفاكر وإنماء وتطوير شاملة لإعادة تنشيط ذاكرة الأمة العربية الثقافية والفكرية، والاستفادة من عناصر القوة في المرتكزات الثقافية العربية، وتعزيز التوجهات والرؤى التي يجتمع عليها العقل والفكر العربي الساعي إلى مواجهة الأزمات والتحديات التي تعصف بالمنطقة والتواصل المثمر مع المحيط الإنساني”.
ومن جهتها، رأت د. ليلى العبيدي، أن انتكاسة الثقافة والمثقفين ليست سمة عربية، وإنما قضية تعيشها الإنسانية برمتها وبدرجات متفاوتة في هذا العصر، داعية المثقف العربي للتخلي عن الأيديولوجيات الكامنة في أنماط سلوكه، وأن يكون مواكباً للقضايا التي يطرحها القرن الواحد والعشرين محلياً وعالمياً ليكون ذا أثر فاعل في المجتمع.
فيما قالت د. عزيزة الطائي، إن للأدب دورا في تشكيل الوجدان الجمعي، وانعكاس ذلك على الحياة العامة وتوجيه الرأي العام في الدول العربية، كما أن الأدب يشكل رافداً مهماً في تقدم الشعوب وتوجيه مسار الإنسان بما يحمله من سياقات تعبيرية، مؤكدة أهمية قراءة الأدب العالمي والانفتاح عليه، لما يحققه من دور في فهم الحياة المعيشية والثقافية والفكرية بين الماضي والحاضر وصولاً إلى التنبؤ للمستقبل لكونه يمنح القارئ اتساع الأفق وعمق الرؤى الفكرية والاطلاع على طبيعة الآخر.
فيما دعا د. أيمن فؤاد السيد، إلى تعزيز أطر التواصل والتعاون والإقناع بين المثقفين والقاعدة الشعبية، لافتا إلى أهمية العمل على إحياء دور الصالونات والمنتديات الثقافية في المنطقة العربية، والانفتاح على الآخر والتواصل المباشر معه وتعلم لغته، لما لذلك من أثر في استيعاب التحديات ومواكبة التغيرات المتسارعة في العالم.