بقلم : د. هبة أبو عيادة
تُعد البراعة التنظيمية منهج وفلسـفة إدارية لتسهيل المهام وتحقيق النتائج التنظيمية الكلية لاستدامة المؤسسات، من خلال عمليات تكاملية ابتكارية وشاملة وموجهة ومخططة لتحقيق الابتكار المسـتدام. وأول من قدم مصطح البراعة التنظيمية في مجال الإدارة الاسـتراتيجية هو دونكان Duncan(1976)، وطورها بعده الباحثون في الكتابات الإدارية المختلفة. وتعرف البراعة التنظيمية بأنها القدرة على إنشاء حلول مبتكرة ضمن القيود الهيكلية باستخدام الموارد المتاحة وحل المشكلات بطريقة ابتكارية لضمان استدامة المؤسسة.

نبدأ بالنظر في الآراء المتغيرة لأهمية البراعة للاستدامة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ثم تحليل طبيعة الحلول المبتكرة ومناقشة القيود الهيكلية والموارد والزمانية التي قد تواجه حل المشكلات. ونركز على حل المشكلات بطريقة إبداعية. و نقارن بين حل المشكلات «الموجه» و «الذاتي"؛ إذ إن الموجه يُفرض من أصحاب المصلحة الخارجيين أو كبار المديرين بتحديد مهام محددة لحل المشاكل، أما الذاتي فيقترحه الفرد عندما تقع المشكلة ويبادر لاقتراح حلول لحلها بأنفسهم. وفي كلتا الحالتين من حل المشكلات يواجه الأفراد والجماعات نوعين من ?لقيود؛ الأول قيود المنتج: والتي تحدد الميزات والوظائف الضرورية لحل ناجح. والثاني قيود العملية التي تقف في طريق حل المشكلات الإبداعي في سياق تنظيمي معين. وكلا النوعين من القيود يمكن أن يؤدي إلى براعة تنظيمية، ولكن التعامل مع قيود العملية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على البراعة التنظيمية بشكل عام. إن شـرط تحقيق مفهوم البراعة هو قيام المؤسسة بأداء نشـاطين تنظيميين رئيسين وهما: الاستكشاف والاسـتثمار ولهما نفس الأهمية ولكنهما متناقضان ولا بد من تحقيق توازن مناسـب بين كافة الأنشـطة لإدارة التعارض بينهما، في حين رأى ?احثون آخرون أن تحقيق التوازن ليس حلًا مناسـبًا بل أن الأهم من ذلك هو الجمع والتكـامـل بين النشـاطين بصـورة متزامنـة لضمان تحقيق البراعة التنظيمية في المؤسسة.

اعتمد الباحثون على بُعدين أساسيين للبراعة التنظيمية وهما: البراعة الهيلكية والبراعة السياقية. ولتوضيح ذلك البُعد الأول البراعة الهيكلية أو توازن البراعة والذي يركز على ضرورة التوازن بين نشـاطي استثمار الموارد المتاحة والا لسعي للتطوير واستكشاف حلول إبداعية للتغيير، وهناك صراع دائم بينهما وتنافس كبير على الموارد البشـرية والمادية والمالية والوقت واهتمام الإدارة من جهة والتطوير من جهة أخرى، وتكمن القضـية الأساسية في تحقيق التوازن وعدم التركيز على أحد النشـاطين دون الاخر، إذ قد يتسبب في وقوع المؤسسات في مشـكل?ت مسـتقبلاً، فالتركيز على نشـاط الاستثمار أكثر من الاسـتكشـاف؛ يجعلها تقع في «فخ الكفاءة» إذ تنشـغل المؤسسة بالنجاح السريع وتحقيق الأرباح قصـيرة الأجل واسـتغلال القدرة الحالية وسـد احتياجات العملاء الحاليين دون نظرة استراتيجية للمستقبل، وبالتالي سـرعان ما تتقادم المؤسسة، وتتقادم مهاراتها ومعارفها وبالتالي تراجع مستوى الأداء وقد لا يمكنها من الاسـتمرارية في النجاح وعدم قدرتها على التكيف مع التغيرات البيئية المتلاحقة. بينما إذا ركزت على نشـاط التطوير والتغيير والاستكشاف على حساب الاستثمار؛ سيجعلك تقع في «فخ ?لمرونة» وتقع المؤسسة في دورة لا نهاية لها من البحث والتغيير وتستنزف كافة مواردها دون جدوى. لذا لا بد من الحفاظ على التوازن المناسـب بين النشـاطين. أما البُعد الثاني البراعة السياقية أو البعد الجمعي للبراعة: على عكس البُعد السابق، يقوم على فكرة أنه ليست بالضرورة أنشطة متنافسة، مع بعضها البعض بل إن جهد واحد من الأنشطة يساهم في تعزيز الآخر والعكس صحيح، وأن القيمة التي يضيفها النشاطان معًا أكبر من التي يمكن أن يضيفها كل نشاط على حدة، ويجب السعي لتحقيق إجمالي مشترك من النشاطين معًا لضمان التفاعل والتكامل بينهما? ويعتبر التصميم الأنسب التنظيمى لأدائهما معًا داخل نفس الوحدة التنظيمية، إذ يسهّل القرب المكاني تفاعل الفريق وتبادل المعارف ووجهات النظر والتعلم والتكامل بين كافة الأنشطة.

ختامًا إن البراعة التنظيمية ونجاحها في توجيه القدرات الديناميكية يحتاج قائدا صاحب نظرة استراتيجية شاملة ومرنة ومتوازمة لضمان نجاح المهام الحرجة في المؤسسة بقدرته على الاحساس بالتغييرات التي تحصل في البيئة ومكاتبها وإدارة الأزمات وحل المشكلات واستعارها قبل حدوثها بنظرة استشرافية مستقبلية والقدرة على العمل بروح الفريق للعمل برغبة واستثمار الفرص ومواجهة التهديدات وإعادة هيكلة المهام حسب التطورات.