16-02-2023 01:26 PM
بقلم : الدكتور عماد نعامنة
كنتُ قدْ تناولتُ في مقالٍ سابقٍ الحديثَ عنِ الإستراتيجيّةِ الوطنيّةِ للبرنامجِ العلاجيِّ، والجهودَ الّتي بذلَتْها وزارةُ التربيةِ والتعليمِ بمختلَفِ إداراتِها التربويّة،ِ بتوجيهٍ مباشرٍ وعنْ كثبٍ من معالي وزيرِ التربيةِ والتعليمِ والتعليمِ العالي والبحثِ العلميِّ ورئيسِ المجلسِ الأعلى للمركزِ الوطنيِّ لتطويرِ المناهجِ الأستاذِ الدكتورِ عزمي محافظة، وبمشاركةٍ فاعلةٍ منَ المركزِ الوطنيِّ لتطويرِ المناهجِ، والمؤسسّاتِ الوطنيّةِ الأخرى، وإسهامٍ منَ المنظّماتِ الداعمةِ لها؛ بُغيةَ معالجةِ الفاقدِ التعليميِّ وفقرِ التّعلّم، وغيرِ ذلكَ ممّا قدْ يعتري المسيرةَ التعليميّةَ التّعلُّميّةَ منْ قُصورٍ أو عقباتٍ، تحسُّبًا لأيِّ عارضٍ قدْ يحولُ دونَ استكمالِ تمكينِ الطلبةِ منْ تحقيقِ كفاياتِ التّعلّمِ، ومعاييرِهِ ونتاجاتِهِ ومؤشراتِ الأداءِ المرسومةِ العامّةِ والخاصّةِ للمباحثِ الدّراسيّةِ الّتي أعدَّها المركزُ الوطنيُّ لتطويرِ المناهجِ بأيدٍ أردنيّةٍ وخبراتٍ وطنيَّةٍ مِنْ ألِفِها إلى يائِها.
وفي هذا المقال أودّ أنْ أعرضَ لتحقيقِ مسألةٍ لغويّةٍ كثرَ الخوْضُ فيها هذهِ الأيّامَ كلّما ذُكِر برنامج الفاقد التعليميّ الّتي تعكفُ على تنفيذِهِ وزارةُ التربيةِ والتعليمِ في مدارسِها. تلكُم المسألةُ هي تخطِئةُ كثيرينَ جزافًا - للأسف الشّديدِ - ومنْ غيرِ سندٍ كلمةَ (فاقد) في مثلِ قولِنا: (بدل فاقد) و(الفاقد التعليميّ)، فعزمتُ على تحقيقِ استعمالِ هذهِ المفردةِ اسمَ فاعلٍ بمعنى مَفعولٍ؛ وذلك من باب غَيْرتي على الصّواب اللّغويّ بصفتي ابنًا للّغةِ العربيّة منْ أبنائِها الغُيُرِ على سَلامتِها منَ اللّحنِ، بَلْهَ عشقي لها حتّى الثّمالةِ.
فقد جاءَ في أُمّاتِ المصادرِ اللّغويّةِ أنَّ استعمالَ اسمِ الفاعلِ بمعنى المفعول ليسَ مَقيسًا، وإنّما هو مقصورٌ على المسموعِ ممّا وردَ منهُ في كلامِ العربِ، فيخرجُ منْ بابِ التّناوُبِ المُباحِ بينَ الصّيغتينِ، كقولِنا: الطّاعم بمعنى المطعوم، والكاسيّ بمعنى المكسوّ...) لذا يُحفَظُ ما سُمِعَ منه ولا يُقاس عليه، ومنهُ ما أنشدَهُ الشاعرُ الحُطَيْئةُ:
دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَلْ لِبُغيَتِها وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنتَ الطّاعِمُ الكاسي
بَيْد أنّه لَمّا كثُر اللَّغطُ والخَلْط والوَهْمُ في هذا حتّى التبسَ على كثيرٍ منْ أهلِ اللّغةِ والمُتخصّصين في زمانِنا المُعاصر، فاشتطّوا في تخطِئة قولِنا: (فاقد تعليميّ) وهُمْ في ذلكَ مُحِقّونَ ما لَمْ يُسمَع عنِ العربِ - بحثتُ في كلامِ العربِ الأقحاحِ في عصور الاحتجاج والاستشهاد حتّى وقَفْتُ على بيتٍ للشاعرِ بشرِ بنِ أبي خازمٍ الأسديِّ وهوُ شاعرٌ جاهليٌّ مفلّقٌ مشهودٌ له، إذْ قالَ:
ذكرتُ بها سلمى فبِتُّ كأنّما ذكرتُ حبيبًا فاقدًا تحت مَرْمَسِ
)انظر: ديوان بشر بن أبي خازم الأسديّ، قدّم وشرح له، مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1994م، ص 80(
حينَها حمدتُ اللهَ تعالى أنْ وفّقني إلى وجدانِ ضالّتي، فتوقّفتُ عنِ البحثِ، ولو استمرَرْتُ في البحثِ في مظانِّ الشّعر واللّغةِ، ومضيتُ قُدُمًا فيهِ لربَّما عثرتُ على غيرِ شاهدٍ، إلّا أنّ شاهدًا واحدًا منْ عصرِ الاحتجاجِ يكفيني مؤونةَ الاطمئنانِ على صحّةِ ما يشيعُ استخدامُه في أوساطِ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ والمُهتمّين بشؤونها في إطار البرنامج التعليميّ القيِّم (الفاقد التعليميّ)، فمنْ طرائقِ المدرسةِ النحويّةِ الكوفيّةِ أنّها كانتْ تقيمُ القاعدةَ على الشّاهدِ والشاهدينِ حتّى منتهى النّصفِ الأوّلِ منَ القرنِ الثاني على أكثرِ الأقوالِ السائرةِ في الدّرسِ اللُّغويِّ، معَ الإشارةِ إلى أنّنا منْ أتباعِ المذهبِ النّحويِّ البصريِّ، وهذا هو الغالبُ في كُتُبِ اللّغةِ العربيّةِ في مدارسِ وزارةِ التربيةِ والتّعليمِ.
وما سبق يُجلّي بوضوحٍ صحّةَ استخدامِ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ لفظةَ (فاقد) على أنَّها اسمُ فاعلٍ بمعنى اسمِ المفعولِ، ويدحضُ مَنْ ذهبَ إلى تخطِئَتِها أو التَّهكُّمِ والنّيْلِ منْها في هذا السّياقِ اللّغويِّ الأثيلِ (الأصيلِ).
الدكتور عماد نعامنة
خبير تربويّ- مناهج، ومُدرّب دَوليّ مُعتَمد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-02-2023 01:26 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |