حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,26 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 23790

مسلسل "أقل من عادي" .. عندما يصدق العنوان!

مسلسل "أقل من عادي" .. عندما يصدق العنوان!

مسلسل "أقل من عادي" ..  عندما يصدق العنوان!

17-02-2023 12:10 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - ثلاث عشرة حلقة من مسلسل "أقل من عادي" (سيناريو يم مشهدي، وإخراج نور أرناؤوط) ولم يصدق شيء في هذا العمل بقدر عنوانه، فالشخصيات جميعها مهزوزة وحائرة ولا تعلم ماذا تريد، وبناء الأحداث هش وفيه الكثير من الإقحامات غير المبررة، أما الحوارات فهي نقطة التميز الأبرز، لكن عندما يتحول الجميع إلى فلاسفة عصرهم، فإن تلك النقطة تسقط أيضاً، ليبقى أداء بعض الممثلين هو مركز القوة ولا شيء آخر.

وما يقصم ظهر هذه الدراما هو الرتابة في كل شيء، من الحكاية إلى أبطالها مروراً بالحبكة، والأهم هو عدم منطقية الكثير من مفاصلها، وما وازاه من رضوخ شبه كامل لكاميرا أرناؤوط أمام نص مشهدي، من دون أي محاولة للتحرر، أو على الأقل إبداع نص بصري ينطلق من الورق ويتخطاه بفكر إخراجي موازٍ.

الحكاية بسيطة، مايا (هيا مرعشلي) تعيش في دمشق، يستدعيها والدها كريم (جهاد سعد) لتزوره في بيروت بعد زمن من انفصاله عن أمها وإهماله الكامل لابنته، لنكتشف أنه صاحب أموال طائلة، إذ لديه فندق ضخم، وفي أحد طوابقه دار للأزياء تديرها زوجته اللبنانية سما (كارمن لبس)، وهي ليست على وفاق نهائياً مع مايا من دون أن نعرف السبب.


تصطحب الابنة صديقتها فَيْ (مي إبراهيم) لتؤنسها في رحلتها مجهولة الأسباب، والتي تزامنت مع عشية ليلة الميلاد، ومنذ وصولهما إلى غرفة الفندق يتلمَّسا فوارق العيش، والزيف في العلاقات، ويختبرا القلق الوجودي، ولكنه هذه المرَّة برتبة خمس نجوم، من بعد الفقر الذي كان يغلِّف حياتهما في دمشق.

وبمضي الوقت يلتقيان بأولاد كريم وإخوة مايا من أبيها، وهم جواد (طيف إبراهيم) الشاب المستهتر، الكاذب، خادع النساء، ورنا (ميا سعيد) الأرملة المكلومة مع خيالاتها المريضة عن زوجها طلال (كفاح الخوص)، وسالي (شيرين الحاج) عارضة الأزياء المغرورة والمترددة بأهوائها.

وفي أجواء العمل هناك مدير الفندق الشاب عمر (إيلي متري) ومصمم الأزياء فارس (ملهم بشر) ومدير المطعم والبار (وسام صباغ) وعارضتا الأزياء كارمن (ترف تقي) و(جوي الهاني)، وأكثر ما يجمع هذه الشخصيات أن بوصلة مشاعرهم ضائعة، ويعانون من توهان في الأحاسيس، وعواطفهم مهتزّة، بحيث أنك لن تعرف من يحب من، ومن يريد الارتباط بمن، وزاد من الطين بلَّة دخول مايا وفَي ضمن الدَّوامة ذاتها.


ولا نعرف الجدوى من كل ذاك التخبُّط وعدم الوضوح في مشاعر الشخصيات، أم إن كانت تلك "المخلوطة" الشعورية لدى الجميع هي الوصفة السحرية لتوصيف تعقيد العلاقات الاجتماعية في مجتمع مهزوز أساساً، خاصةً في ظل عدم وجود مُسبِّبات منطقية لذلك، فكُلّ وصل يلحقه مباشرةً هجران، وكل لهفة يتبعها على الفور جفاء، لدرجة تدعو إلى الغثيان والقرف من هذا الكَمّ الهائل من تَهتُّك الشخصيات، وغياب أي واقعية في بنائها، ناهيك عن اللامبالاة الغرائبية لمعظم الشخصيات في التعاطي مع قضايا الخيانة، والموت، والحب، وكأنها أشياء لا معنى لها.

حيرة ما بعدها حيرة تسببها تلك المشاعر "المشلَّخة" من دون اتكائها على قيمة ما، أو على سبب محدد، وكأننا في محرقة عواطف مفبركة وغير مقنعة البتة، ويزيد في الطنبور نغماً أحداث غير مترابطة، كأن نعرف أن سبب استدعاء كريم لابنته هي أن الفندق على وشك الإفلاس وهناك قروض بنكية هائلة باتت مستحقة للسداد وهي باسم مايا التي لا نعرف متى وقَّعت على وكالة عامة لأبيها، والمطلوب منها الآن إشهار الإفلاس.

وبالمثل مقتل طلال مُصمم المجوهرات بحادث إحراق سيارته مع امرأة لا ندري من هي، والكتلة الدماغية التي نبتت فجأة في رأس زوجته وصادف وجودها في المركز المسؤول عن التهيؤات، وأيضاً الانقلاب في سطوة عايدة (مروة الأطرش) الموديل المطرودة من وكالة سما للأزياء، وعشيقة كريم التي تخافه جداً، بعدما تقرَّبت من أحد الأغنياء الذين يطلب كريم ودّهم للخروج من مأزقه المالي.

وليس انتهاءً بهشاشة الخط المافيوي ضمن العمل الذي ابتدأ بسذاجة سرقة الآثار التي يُخبّئها كريم في قبو منزل عشيقته، وعلاقة طلال بها وباللوحات الفنية المزورة، مروراً بجريمة قتل عايدة في حفلة رأس السنة ضمن حمام الفندق، ومن ثم الحريق المفتعل الذي نال من البناء برمّته. كل ذلك مع ماضٍ هش للشخصيات، جعلنا غير قادرين على محاكمة أفعالها، ومصداقية أقوالها، وأسباب الفلسفة العميقة التي ينطقون بها رغم غبائهم الاجتماعي عموماً.


"خلطة درامية أبرز توصيف لها هو عنوانها "أقل من عادي"، وكل الخشية بعد كلمة "يتبع" التي اختتمت بها حلقتها الأخيرة، أن نكون مستقبلاً أمام جزء ثانٍ من هذا العمل".
هذا ولا ننسى الخلطة العجيبة التي جعلت جواد يحكي بالسوري بينما أختيه تتكلمان اللهجة اللبنانية رغم أنهما تعيشان في البيئة ذاتها، وأيضاً الترويج لظرافة قلة الحياء، والاستهزاء بقيمة البساطة والروح الإنسانية الطيبة، وتكريس أحادية التعاطي الدرامي مع مختلف المواقف من دون خلق تمايزات جوهرية تمنح للصراع حقيقيته ومعناه.

كل هذه الرَّتابة انعكست في أداء عدد من الممثلين وخاصة كبارهم، في حين لمع نجم مي إبراهيم التي تقمَّصت ببراعة شخصية الفتاة الساذجة في عواطفها وتصرفاتها وتقلبات مصيرها، وأيضاً طيف إبراهيم الذي أقنع المشاهدين بفلسفته الخاصة في الأداء لتجسيد شخصية الشاب بارد العواطف وزير النساء، مع إيلي متري بعفويته وحساسيته المميزة تجاه شركائه في التمثيل، وكذلك وسام صباغ ومروة الأطرش في صدق تعاطيهما مع أدوارهما.

لنكون في النهاية مع خلطة درامية أبرز توصيف لها هو عنوانها "أقل من عادي"، وكل الخشية بعد كلمة "يتبع" التي اختتمت بها حلقتها الأخيرة، أن نكون مستقبلاً أمام جزء ثانٍ من هذا العمل الذي أنتجته شركة إيبلا، لا يتدارك كل نواقصه وتهتُّك بنيته الدرامية.








طباعة
  • المشاهدات: 23790

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم