18-02-2023 01:57 PM
بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
محمد بن عبد الله ﷺ خير الخلق وأحب العبـاد إلـى الله تعالـى، اختـاره الله عز وجل ليحمل آخر الرسالات، وخصه بالكثير من المكرمات والمعجزات، ومن أبرزها معجزة الإسراء والمعراج التي أتت في مرحلة دقيقة من مسار الدعوة النبوية، هذه الرحلة الأرضية /السماوية المباركة جاءت تسلية لرسول الله ﷺ عما مر به قبلها من شدائد. فما معنى الإسراء والمعراج؟ وكيف حدثت هذه المعجزة النبوية؟ وما هي العبر والدلالات التي يمكن استخلاصها من هذه المعجزة؟
وَفِيهَا أَنَّهُ ﷺ أُتِيَ بِالبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ فَوْقَ حِمَارٍ وَدُونَ بَغْلٍ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ...، وَفِيهَا أَنَّهُ ﷺ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْأقْصَى فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِإِناءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَارَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَ السَّلاَمُ اللََّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ....وَفِيهَا أَنَّهُ ﷺ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْأُولَى، فَالثَّانِيَةِ، فَالثَّالِثَةِ...وَهَكَذَا حَتَّى ذُهِبَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ عِنْدَئِذٍ مَا أَوْحَى....وَفِيهَا فُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ...فِي الْيَوْمِ واللَّيْلَةِ».
الإسراء هو تلك الرحلة العجيبة التي بدأت من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس. ويقصد بالمعراج ما تلا ذلك من صعود في طباق السموات، حتى الوصول إلى مستوى تنقطع عنده علوم الخلائق، ولا يعرف كنهه أحد» .
إنها رحلة متميزة لا مثيل لها من حيث زمانها ومكانها والكيفية التي تمت بها، لذا فهي تعتبر معجزة باهرة خص الله بها نبيه الكريم محمد ﷺ. وقعت رحلة الإسراء والمعراج بعد مرحلة عصيبة عاشها النبي ﷺ، حيث توالت عليه ﷺ أحداث محزنة، بدأت بوفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه، ثم موت زوجته خديجة رضي الله عنها سنده القوي، وزاد شدتها ما تحمله في رحلته إلى الطائف من مشقة وعناء، وما وجد من أهلها من غلظة وجفاء؛ فجاءت معجزة الإسراء والمعراج للتنفيس عنه، ولتأييده في مسار دعوته ﷺ، وملخص قصة هذه الرحلة المباركة: أن جبريل عليه السلام جاء إلى رسول الله ﷺ ليلا بمكة، وكان نائما على فراشه فأيقظه، ثم أركبه البُراق وهو دابة من دواب الجنة، بين الحمار والبغل، فانطلق به إلى بيت المقدس. وهناك صلى الرسول ﷺ بالأنبياء إماماً. وبعد ذلك جاءه جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاختار النبي ﷺ اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: «اخترت الفطرة».
ثم عُرِجَ به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل، ففتح له، فرأى هنالك آدم أبا البشر، فسلم عليه...( وهكذا كلما مر من سماء وجد نبيا سلم عليه وأقر بنبوته)...ثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقيَ فيها إبراهيم عليه السلام، فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور، ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مر على موسى، فقال له: بم أمرك؟ قال بخمسين صلاة، قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فسأله التخفيف لأمتك. فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار: أن نعم إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه - فوضع عنه عشرا، ثم أنزل حتى مر بموسى فأخبره، فقال: ارجع إلى ربك فسأله التخفيف، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل حتى جعلهما خمسا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال: قد استحيت من ربى».
كان حدث الإسراء والمعراج تنفيسا لكربة النبي ﷺ، وتفريجا لهموم أصابته، وتأييدا له في نشر دعوته. ففي سنة واحدة فقد الرسول ﷺ أكبر داعميه عمه أبا طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها، وتحمل ﷺ محنة شديدة في الطائف، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تثبيتا لفؤاده، وتأكيدا لصلته الوثيقة بالله تعالى الذي بعثه بالرسالة وحمله الأمانة، حتى يطمئن قلبه ويتقوى عزمه.
في هذه الرحلة المباركة تكريم الله تعالى لنبيِّه ﷺ، ورفع لقدره، حيث أطلعه الله على بعضِ الحقائق الغيبية، وبين له مكانته عنده، وفضله على إخوته الأنبياء.
فقد فرضت الصلاة في السموات العلى بأمر مباشر من الله تعالى لنبيِّه ﷺ، وهي عماد الدين، إذا حافظ عليها العبد كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة؛ قال رَسُولُ الله ﷺ : « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسـِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ.
شكلت رحلة الإسراء والمعراج اختبارا وتمحيصا للمسلمين، فطبيعة الرحلة وما تضمنتـه من أمور خارقة كشفت حقيقة إيمان بعض ضعفاء النفوس، وهـذه سنة الله تعالى مع كل من آمن، ليمـيز الصادقين من غيرهم.
الدكتور هيثم عبدالكريم أحمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-02-2023 01:57 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |