18-02-2023 11:06 PM
سرايا - تتوالى تساؤلات المواطنين بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية في السادس من شباط (فبراير) الحالي، وخلّف وراءه عشرات آلاف الضحايا.
وبات أردنيون يبحثون عما يُسد رمقهم بشأن الأردن الواقع على صدع البحر الميت التحويلي ومدى قدرة الأبنية القائمة على مقاومة الزلازل، لا سيما الكبيرة منها والتي تتجاوز 7 درجات على مقياس ريختر.
كما يبحث مواطنون عما يُمكّنهم من قياس قدرة منازلهم على مقاومة الزلازل وفيما إذا كان من الممكن تدعيم الأبنية القائمة تفاديا لتأثرها أو دمارها.
يأتي ذلك بعد أن شعر السكان في دول شرق المتوسط؛ من بينها الأردن ولبنان والعراق ومصر وفلسطين، بهزات ارتدادية ناجمة عن الزلزال الذي وقع ناحية بازارجيك من ولاية كهرمان مرعش (جنوبي تركيا)، على عمق 7 كيلومترات.
من جانبهم، قال خبراء في علم الزلازل، إن المباني في المملكة قد تحمل قدرة جيدة على مقاومة الزلازل، لكن ذلك يعتمد على عوامل عدة، لا تنحصر بقوة الزلزال وحدها.
وأوضح الخبراء أنه يمكن فحص المباني القائمة عبر المكاتب الهندسية، وذلك من خلال 3 مراحل بهدف معرفة نوع القوة التي يحتاجها المبنى في التدعيم وإعادة تأهيله ليصبح مقاوما للزلازل.
المباني القديمة معرضة للخطر
بدوره، قال الخبير المتخصص في هندسة الزلازل الدكتور أنيس شطناوي إن المباني القديمة هي التي شُيّدت قبل إقرار كودة المنشآت المقاومة للزلازل في العام 2005.
وأضاف شطناوي أنه “قبل ذلك، كان تصميم المباني في الأردن ضمن كود “الأحمال والقوى”، بحيث يُطلب من المهندس أن يحسب أحمال الزلازل المؤثرة على المباني لكن دون أن يُطلب منه تفاصيل التصميم، علما أن الأحمال هي القوى الناتجة عن حركة الأرض، وهذا لم يكن إجباريا.
يشار إلى أن نقابة المهندسين أصدرت قرار الإجبارية في العام 1997 دون صدور كود زلزالي، وكانت تعتمد على الكود العربي بناء على التعليمات في ذلك الوقت، لكن الكود الأردني صدر في العام 2005.
وفيما يتعلق بالمباني القديمة، أوضح المتحدث ذاته أن المباني التي أنشئت في الأردن من العام 1945 وحتى 2005، أي خلال 60 عاما، 99 % منها تقريبا أُنشئت دون الأخذ بالاعتبار الأثر الزلزالي عليها، “وبالتالي هل هي معرضة لخطر ناتج عن حدوث زلزال كبير؟ الجواب نعم”.
وأشار إلى أنه في الأردن وعلى مدار 60 عاما، لم يكن كود الزلازل مطبقا؛ لذا نحن بحاجة إلى بيانات عن المباني القائمة جميعها، وخصائص كل مبنى، ضمن خطة تُسمى “إدارة المخاطر” والتي تحصر معلومات فردية عن كل مبنى وتمنحه درجة من الخطورة نتيجة دراسته.
ولفت إلى أن المباني القديمة المنشأة قبل العام 2005 تتجاوز 50 % من المباني القائمة في المملكة، علما أنها تقديرات غير رسمية.
مقاومة المباني ضد الزلازل
وحول قوة الزلزال الذي يتحمله كود مقاومة الزلازل، بيّن شطناوي أن العوامل التي يعتمد عليها المبنى في مقاومة زلزال معين لا تقتصر على قوة الزلزال ودرجته على مقياس ريختر فقط، بل لا بد من الأخذ بالاعتبار عدة نقاط؛ تشمل موقع المبنى وقربه من الفالق أو الصدع النشط الذي يمتد من وادي عربة وحتى طبريا في الأردن، والعوامل التي تدخل في التصميم، وصفات المبنى، والنظام الإنشائي المستخدم في المبنى.
وأضاف عضو اللجنة الإنشائية الفنية العليا في مجلس البناء الوطني لتلك العوامل: المواد المستخدمة في إنشاء المبنى وجودتها ونوعيتها، وعدد طوابق المبنى، ونوعية القواعد التي بُني عليها، ونوعية التربة، ونوعية الإشغال للمبنى (طبيعة استخدامه)؛ فمباني الدفاع المدني والمستشفيات على سبيل المثال تأخذ اعتبارات حرجة وكبيرة في التصميم، بحيث تكون آخر المباني التي يمكن أن تتأثر في حال حدوث زلزال.
وأردف: “في العام 2022 صدرت الكودة الأردنية الجديدة للمنشآت المقاومة للزلازل والتي تضمّنت فصلا جديدا موجودا لأول مرة في الكودات العربية كلها، وهو تقييم المنشآت القائمة وإعادة تأهيلها لمقاومة الزلازل، وهذا الفصل أعددته من خلال مجلس البناء الوطني والجمعية العلمية الملكية”.
تصنيف المباني
وشدد شطناوي على أن مقاومة المبنى لا تعتمد على قوة الزلزال وحده، وبالتالي ليس هناك ما يُسمى ببناء الكود على قوة ريختر معينة، بل استنادا لفئة التصميم الزلزالي، علما أنها تنقسم على نحو (A, B, C, D, F)، بحيث تكون الفئة (A) هي الأفضل و(F) الأسوأ.
وبين الخبير المتخصص في هندسة الزلازل أن تصنيف المبنى يعتمد على قوة الزلزال والفالق الموجود والفوالق القريبة ومواصفاتها ومواصفات التربة والمواد المستخدمة وكيفية الربط والنظام الإنشائي وغيرها من العوامل التي تمنح القوة للمبنى في وضعه وموقعه وحالته على مقاومة الزلزال الأكثر احتمالا وفقا لخرائط الخطورة الزلزالية، وكلما اقترب الموقع من الفالق أصبحت له معايير أكثر تشددا.
فحص المباني القائمة
وفيما يتعلق بفحص المباني القائمة، قال شطناوي: بغض النظر عما إذا كانت المباني قديمة أو جديدة، يمر التقييم بثلاث مراحل ضمن الكود؛ التقييم الأولي الذي يتمثل بإجراء المسح الميداني السريع (مسح بصري) لكتابة تقرير أولي، وبناء عليه يُمنح المبنى علامة ولونا (أحمر، أصفر، أخضر) وكل لون يعبر عن شدة الخطر، وبناء على شدة الخطورة يقرر المهندس الإنشائي الانتقال للمرحلة الثانية من عدمه.
وأضاف أن المرحلة الثانية تشمل اختبار العينات من التربة والقواعد والخرسانة وإجراء فحوصات لمقدار مقاومتها، وإذا ظهر فشل في النتائج ينتقل المختص للمرحلة الثالثة وهي التحليل الإنشائي، وطرق المعالجة، ورفع الكفاءة.
وتابع شطناوي: “عند فحص المباني القديمة في مرحلة أخذ العينات، يتم بعدها بناء مخططات جديدة (مخططات حسب الواقع) لأنه عادة لا تكون هناك مخططات متوفرة للمبنى؛ لأنه قديم”.
وأردف: هذه المخططات تتطلب منا أخذ قياسات المبنى؛ بما في ذلك الأعمدة والجدران، ثم عمل نموذج تحليلي لهذا المبنى، واختبار أفعال الزلازل عليه لنرى مقدار تحمّله ومواطن نقاط الضعف فيه.
واستكمل: نُدخل القوة ونرى العناصر الضعيفة في المبنى وكم التقوية المطلوبة ونوعها (زيادة المقاطع أو زيادة التسليح أو زيادة حجم القواعد أو إزالة القواطع لتخفيف وزن المبنى)، ومقدار رفعها لكفاءة المبنى.
وزاد خبير هندسة الزلازل: قد نصل لقرار في إعادة التأهيل مفاده أن المبنى ليس بحاجة لتقوية، وإنما تغيير صفة الاستعمال؛ فعلى سبيل المثال قد لا يصلح مبنى دائرة حكومية للاستمرار بالاستخدام ذاته وبالتالي نوصي بتحويله إلى مبنى سكني.
وقال إن فحص المباني الحكومية وإعادة تأهيلها من مهام اللجنة الإنشائية الفنية العليا التابعة لمجلس البناء الوطني، وهي مشكلة من قبل مجلس الوزراء لكنها معنية فقط بالمباني الحكومية بحيث تُكلف من وزير الأشغال العامة والإسكان بالكشف على المبنى في حال حدوث أي مشكلة فيه، لكن بالنسبة لمباني القطاع الخاص فيجب اللجوء لمكتب استشاري من أجل فحصها.
وبشأن كلفة فحص المباني، أوضح شطناوي أنها تختلف حسب الحالة، لكن كل الكودات والدراسات في الولايات المتحدة واليابان تنص على أنه إذا كانت تكلفة ترميم أو تدعيم المباني القائمة بنسبة 40- 50 % من قيمة المبنى الإجمالية فيتم التوصية بالإزالة.
وأشار إلى أن نقابة المهندسين كانت أول المبادرين في إحداث تخصص رئيس اختصاص في تقييم المباني وإعادة تأهيلها في العام 2020.
ولفت إلى أنه قبل شهرين، وجّه وزير الأشغال العامة والإسكان كتابا رسميا للنقابة للتعميم بإلزامية أن يكون لدى المكتب الهندسي رئيس اختصاص في تقييم المباني وإعادة تأهيلها عند إحداث أي تغيير في المبنى، وذلك على إثر انهيار عمارة اللويبدة.
الرقابة على المباني
وحول الرقابة على المباني، أكد شطناوي أن النقابة لا تُشرف على المباني بل تُصادق على المخططات، وأي مشروع هندسي في الأردن ينقسم إلى ثلاثة عناصر أساسية؛ هي التصميم والتنفيذ والإشراف، وبالنسبة للتصميم (إنشاء المخططات ومطابقتها للمعايير والشروط والكودات جزء يقوم به المهندس الإنشائي (المصمم الإنشائي) ويصادق على هذه المخططات من النقابة التي تعمل على تدقيق هذا التصميم وإيجازه، بحيث يمنح ختما بأنه مناسب)، وبالتالي كل معاملة تُقدم للنقابة تكون مطابقة للكودات.
وأضاف: المقاول أو صاحب العمل يأخذ المخطط لكن هل ينفذه على الواقع؟، هنا تكمن المشكلة، لكن الدور الأساسي للمهندس المشرف الذي تقع عليه مسؤولية المراقبة، وهو طرف ثالث مستقل ليس له علاقة بالمالك، وفق القانون الهندسي، ولا سلطة عليه من المقاول أو المالك، ودور هذا المشرف يتمثل بالرقابة على تنفيذ المخطط الهندسي من قبل المقاول واستلام الأعمال والتحقق من جودتها.
وفيما يتعلق بماص الصدمات، بيّن شطناوي أنه موجود بالأردن في الجسور، وهي عبارة عن أجهزة تمتص الموجة الزلزالية أو موجة الحركة، ووجودها في الجسور أساسية؛ لأن حركة السيارات تسبب
اهتزازا في الجسور.
وضع الأردن جيد
من جانبه، قال رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية المهندس عبد الله غوشة حول مقاومة الأبنية للزلازل في المملكة، إن وضع الأردن جيد بشكل عام، وموضوع الاهتمام بالأبنية وجودتها ابتدأ منذ العام 1980، حينما اعتمد الأردن الكود العربي؛ لذلك لدينا جودة في الأبنية، والأبنية المصنوعة من الحجر دائما لها طبيعة خاصة في مقاومة الزلازل إلى جانب التشريعات الصارمة.
وأضاف غوشة، أن الأبنية القديمة والتراثية ليست بالضرورة أن تكون غير مقاومة للزلازل؛ لأنها تحتوي على كمية كبيرة من الحجر وارتفاعها طابق واحد أو طابقان، وهي ذات جودة من حيث المواد المستخدمة، ومع ذلك يجب مراقبة هذه الأبنية في حال ظهرت أي مشكلة فنية فيها.
وأوضح أنه لا يمكن تحديد الأبنية المقاومة للزلازل في الأردن؛ لأن المبنى يمكن أن يكون قد صُممت مخططاته بشكل صحيح لكن التنفيذ ربما لم يكُن استنادا للمخططات.
وتابع: نقابة المهندسين منذ العام 2020 واستنادا إلى نظام الرقابة على الإعمار، أصبحت تُنفّذ زيارات دورية للمشاريع قيد الإنشاء، ضمن لجنة مشتركة من نقابتي المهندسين والمقاولين ووزارة الأشغال وأمانة عمان؛ وذلك للتأكد من تطبيق المخططات على الواقع.
وأردف: النقابة منذ العام 2016 ألزمت جميع المكاتب والشركات فيما يتعلق بالمشاريع التي تزيد مساحتها على 500 م2 بعمل فحوصات مخبرية للمواد المستخدمة في البناء.
مقاومة الزلازل والتربة
وحول تأثير التربة على قدرة المباني على مقاومة الزلازل، قال عضو مجلس نقابة المهندسين ورئيس الشعبة المدنية والمتخصص في الهندسة الجيو تقنية الدكتور بشار الطراونة إن المباني التي تكون قائمة على أرض صلبة مثل الصخور تكون ذات قوة تحمّل عالية.
وأضاف الطراونة وبالتالي فإن مقاومة الزلازل في المباني المُقامة على الصخور أكبر من المباني الموجودة على التربة؛ لذا فإننا دائما ما نطلب في عمليات التصميم أن يزداد الحفر لحين الوصول إلى مستوى تربة تكون قوّة تحملها عالية.
وفيما يتعلق بماصّات الصدمات المخصصة للمباني المرتفعة للغاية، بين أنه لا يوجد مبانٍ عالية بمستوى ارتفاع الأبراج في الأردن كأبراج السادس على سبيل المثال، ولا علم لدي عما إذا استُخدم ماص للصدمات في بنائها.
وتابع الخبير بالهندسة الجيو تقنية: الطوابق المتعددة الموجودة في الأردن ومن الناحية العملية يوجد فيها جدران قص بناء على التصميم والتي بدورها تكون كافية.
وأردف: في المناطق التي تشهد نشاطا زلزاليا يجب أن يكون التصميم بطريقة مقاومة لأفعال الزلازل، من حيث التصميم الإنشائي للمبنى وتصميم الأساسات وارتفاع مستوى الماء في المنطقة، ونوعية التربة.
واستكمل الطراونة: إذا كانت نوعية التربة رملية على سبيل المثال في مناطق النشاط الزلزالي مع وجود مستوى ماء مرتفع، فإننا نخشى حصول ما يسمى “تميّع التربة”، وبالتالي فإن هذه التربة بحاجة لإجراءات مختلفة.
وزاد: كما يمكن في هذه المناطق الذهاب باتجاه استخدام الأساسات العميقة؛ لأن منطقة البحر الميت على سبيل المثال تضم فنادق موجودة في منطقة ذات نشاط زلزالي، ولكن التصميم يكون بطريقة مقاومة لأفعال الزلازل من ناحية إنشائية وناحية جيو تقنية للأساسات.
وحول نوعية التربة السائدة في الأردن ومدى مقاومتها للزلازل، قال الخبير بالهندسة الجيو تقنية إن هناك تنوعا في التربة؛ لأن بعض المناطق يكون فيها ترسبات مثل الأودية، حيث تكون هناك ترسبات تجمّعت خلال سنوات كثيرة وبالتالي عندما تشكلت التربة كانت في معظمها ترسبات.
وأضاف: بالتالي عندما يكون أصل التربة من ترسبات لا تكون من نوعية واحدة وإنما أصناف مختلفة، ما يستوجب التعامل معها بحذر وعمل هندسي مُتقن من ناحية التصميم والحسابات.
وأوضح الطراونة أن التربة تتغير من منطقة لأخرى ونوعية الصخر كذلك، فقد تكون التربة الصخرية ضعيفة أو قوية؛ لذا يصعب التعميم فيما يتعلق بمقاومة المباني للزلازل في الأردن؛ نظرا لاختلاف عوامل التربة والتصميم ونوع المبنى والأحمال التي يرفعها وعدد طوابق المبنى.
يُشار إلى أنه يوجد في الأردن فالق البحر الميت/ حفرة الانهدام التابعة للشق السوري الأفريقي، وهو صدع كثير التعرض للزلازل والهزات الأرضية.
وعلى الرغم من مرور 13 يوما على الزلزال الذي ضرب تركيا في 6 شباط/ فبراير الحالي والذي اعتُبر أحد أسوأ كوارث القرن الإنسانية، إلا أن الهزّات الأرضية لم تتوقف.
وسجلت تركيا نحو 4700 هزة ارتدادية منذ لحظة وقوع الزلزال، وفق مدير عام مخاطر الزلازل والحد منها في إدارة الكوارث والطوارئ التركية أورهان تاتار.
وأدى الزلزال إلى كسر 5 أجزاء مختلفة من منطقة صدع شرق الأناضول؛ ما تسبب بحدوث تمزق سطحي في نحو 400 كيلومتر. ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوة الزلزال بأنها تُعادل تفجير قنبلة ذرية.
الغد