بقلم : سهير بشناق
سنختلف كثيرا... فهناك مسافة تبدأ بين الإنسان ونفسه وتتسع أحيانا بيننا وبين من نحب... لأن الحب والمشاعر الإنسانية برمتها لا تلغي المسافات فتلك فصل آخر من فصول العمر والحياة...

نحيا علاقات إنسانية كثيرة منها الحب والصداقات والزواج هي كمقاعد فارغة بالعمر نختار كيف نملؤها تارة وتارة آخرى لا نمتلك الخيار بها لأنها تمتلكنا دون أن نعي كيف ولماذا.. ولكننا لا نملك أي خيارات آخرى بالمسافات..

نحيا العمر كله برفقة أناس نحبهم ولكننا ندرك جيدا أن المسافات بينا وبينهم كبيرة لا تعترف بالمشاعر المحملة بالوحدة والغربة ولربما تلك الحقيقة هي التي تفقد الحب رونقه وتأخذ منه في كل يوم مساحة آخرى من وجوده واستمراريته دون أن نكتشف ذلك إلا بالقدر الذي نشعر به بالغربة والبحث عن الشغف الذي نبدد به تلك المسافات..

نحن نحتاج في كل العلاقات البشرية أكثر من الحب كي نبدد تلك المسافات ومشاعر الغربة.. نحتاج لمن يلامس أرواحنا ويحتوينا بلحظات ضعفنا.. نحتاج لإنسان نبوح أمامه دون أن يحدد لنا اخطاءنا وينسج لنا من العالم «مثالية» تتعبنا لا نطمح بالوصول إليها...

نحتاج لأكثر من الحب.. كي نبدد مسافات تغتال وجودنا يوما تلو الآخر تنقلنا إلى أماكن آخرى بالحياة لا نتوقف بها بحثا عن طمأنينة الروح ودفء القلوب..

في مرحلة ما من العمر يبدو الحب لنا في مكان ونحن بمكان آخر لأنه محمل بالمسافات التي لم نعد نقوى على التعايش معها وبها... فكلما استوطنت بأنفسنا كلما بات الحب غريباً.. موحشاً... وكأننا لم نعشه يوماً ونتفس وجوده بأيامنا..

كم هي متعبة العلاقات التي نعتاد عليها ولا نشعر بها.. كتلك الصباحات الخالية من الشغف والانتظار تتشابه تماما مع غربتنا ومسافات بينا وبين من نحب..

نحتاج لاكثر من الحب..

ونحتاج لحلم لن يدوم..

ولمقاعد لغرباء... يملؤونها بكل ما هو مختلف... يبدد غربتنا.. ويجعلنا ندرك ان الحب شيء.. والمسافات التي تبددها لحظة واحدة بالعمر نتعرف بها على انفسنا من جديد شيء آخر..

ذاك حلم.. أجمل ما فيه أن يبقى كذلك لا يتحقق.. يعلو فوق كل المسافات ويبقى مختلفا عن كل ما عشناه من قبل... فكل الأحلام التي تتحقق هي مسافات بأعماقنا تكبر يوماً تلو الآخر...

عندما نحاول أن نرى كل الذين احببناهم بتلك المسافات التي تكبر بينا سندرك أننا نحتاج شيئا آخر وإن لم يكن حباً... نحتاج لان ننظر اليهم فنجد جزءا من أنفسنا بهم... فهذه المسافات هي غربة... متعبة تحيط بنا معهم وبهم ولا نعلم كيف نبددها سوى بحلم اجمل من واقع لن يتحقق..