22-02-2023 08:20 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
طلب رئيس مجلس النواب قبل أيام من الأمانة العامة حصر القوانين المؤقتة الموجودة في عهدة المجلس وعرضها على المكتب التنفيذي للبدء بمناقشتها. ويأتي هذا الإجراء استجابة للنداءات التي أطلقها عدد من النواب حول مصير القوانين المؤقتة التي أصدرتها الحكومات المتعاقبة قبل عام 2011، وتم إرسالها إلى المجالس النيابية السابقة دون أن يتم إقرارها وفق الأصول الدستورية.
إن القوانين المؤقتة كانت تشكل معضلة دستورية في الأردن حتى عام 2011، عندما جرى تعديل المادة (94) من الدستور وحصر حالات الضرورة التي تجيز للحكومة عند حل مجلس النواب أن تقوم بإصدار قوانين مؤقتة، لتشمل الكوارث العامة، وحالة الحرب والطوارئ، والحاجة إلى نفقات ضرورية مستعجلة لا تحتمل التأجيل.
وقد ظهرت النتائج الإيجابية لهذا التعديل على أرض الواقع، إذ اختلف التعاطي الحكومي مع القوانين المؤقتة بشكل جوهري وملفت. ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومات السابقة تتوسع في إصدار القوانين المؤقتة وتعتبرها الأصل في عملية التشريع والاستثناء هي القوانين العادية، فإن القوانين المؤقتة التي أصدرتها الحكومات الأردنية بعد عام 2011 تعد محدودة من حيث العدد.
وتجدر الإشارة إلى أن التعديل الدستوري لعام 2011 فيما يخص القوانين المؤقتة كان عبارة عن إعادة النص الدستوري بحلته الأصلية في عام 1952، الذي كان يحدد حالات الضرورة على سبيل الحصر. إلا أن هذا النص قد جرى تعديله في عام 1958، وتم إلغاء حالات الضرورة المحددة و الاستبدال بها عبارة واسعة ومرنة تعطي الحكومة الحق في إصدار القوانين المؤقتة في «الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التاخير، أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتاجيل».
إن التعديل الدستوري لعام 1958 كان هو السبب الأساسي في الأزمة التي شكلتها القوانين المؤقتة، حيث استغلت الحكومات السابقة النص المُعدّل لصالح التوسع في إصدار القوانين المؤقتة، وذلك بحجة وجود تدابير ضرورية والحاجة إلى نفقات مستعجلة.
وقد اتخذ القضاء الأردني – مع الاحترام – في ذلك الوقت موقفا سلبيا بأن امتنع عن الرقابة على توافر شرط الضرورة في القوانين المؤقتة، معتبرا أن لمجلس الوزراء سلطة تقدير حالة الضرورة من عدمها. فقد جاء في منطوق القرار رقم 31/ 1972 القول بأن «قيام حالة الاستعجال لإصدار قوانين مؤقتة في غيبة مجلس الأمة أمر متروك تقديره لمجلس الوزراء تحت رقابة البرلمان».
وقد استمر هذا التوجه القضائي إلى أن أصدرت محكمة العدل العليا قرارها التاريخي رقم 234/ 1997، الذي قضت فيه بعدم دستورية قانون المطبوعات والنشر المؤقت رقم (27) لسنة 1997 لعدم توافر حالة الضرورة عند إصداره. فقد بسطت المحكمة رقابتها على وجود حالة الضرورة من عدمها، واعتبرت «إن القول بأنه لا رقابة قضائية على حالة الضرورة والاستعجال، بداعي أن تقدير حالة الضرورة والاستعجال الداعية لإصدار القانون المؤقت يعود للسلطة التنفيذية قول غير سديد».
وقد انتهت مشكلة القوانين المؤقتة في عام 2011، حيث أعادت التعديلات الدستورية تحديد حالات الضرورة على سبيل الحصر، وفرضت مدة زمنية على مجلس الأمة لإقرار القوانين المؤقتة بواقع دورتين عاديتين متتاليتين، والتي فسرها المجلس العالي لتفسير الدستور بأن لها أثرا فوريا مباشرا لا تنسحب على القوانين المؤقتة التي صدرت قبل عام 2011، والتي هي محور النقاش النيابي الذي دار مؤخرا وجرى الطلب من الأمانة العامة حصرها لغايات إقرارها.
يبقى التساؤل الدستوري الأبرز حول الأسباب والمبررات التي تدفع مجلس النواب إلى التعاطي مع القوانين المؤقتة التي صدرت قبل عام 2011، والتي هي تعتبر تشريعات نافذة ومطبقة، ويسري مفعولها بالصورة التي يسري فيها مفعول القوانين عملا بأحكام المادة (94/2) من الدستور.
إن قيام مجلس الأمة بالرقابة على القوانين المؤقتة التي صدرت في غيابه يعد استحقاقا دستوريا وإلزاما على مجلسي الأعيان والنواب بممارسة ولايتهما التشريعية على الأعمال التي أصدرها مجلس الوزراء في الفترة التي لم يكن فيها المجلسان موجودين. فالمادة (94) من الدستور تلزم الحكومة بإرسال القوانين المؤقتة إلى مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده، ومن ضمن الصلاحيات الدستورية المقررة للنواب والأعيان إقرار هذه القوانين المؤقتة أو تعديلها أو رفضها.
وجدير بالذكر أن رفض القوانين المؤقتة من قبل مجلس الأمة لا يكفي بحد ذاته لإبطالها، إذ يشترط المشرع الدستوري مجموعة من الشروط الأخرى المجتمعة، والتي تتمثل برفض القانون المؤقت وإعلان الحكومة بطلان القانون المؤقت على الفور، وموافقة جلالة الملك على البطلان. فالقانون المؤقت الذي تصدره السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء مصيره النهائي في يد السلطة التنفيذية نفسها، والتي لها الحق في أن ترفض الموافقة على إعلان البطلان، وذلك كما جرى في قانون التقاعد المدني المؤقت رقم (10) لسنة 2010 الذي رفضه مجلس الأمة وقررت السلطة?التنفيذية عدم الموافقة على إعلان بطلانه.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-02-2023 08:20 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |