23-02-2023 09:02 AM
بقلم : طارق حجازين
قبل أيامٍ معدودة صرح مصدر حكومي رفيع بأن جرائم "القدح والذم والتحقير" تحتل المرتبة الأولى في الشكاوي والدعاوي المقدمة أمام الأجهزة المختصة والمحاكم في الأردن ومن يقرأ الخبر بعمق يستشعر أن هناك مؤشراً واضحاً في فقدان الكثيرين من أفراد المجتمع إلى منهجية التواصل الفعال التي تعتمد على تقبل الراي الآخر والحوار الناضج بالإضافة الى إفتقار القدرة على التأثير و الإقناع والتفاوض وحل المشاكل بسلاسة وافسح ذلك المجال لكثير من السلوكيات لتتحول إلى أنماطٍ سلبية في التفاعلات الإجتماعية تمثلت في انفعالات و ردود افعال غير مقبولة , و قد يعتقد البعض ان مثل هذه الجرائم بسيطة وغير مؤثرة إلا انها تكشف المنطق السلبي وتؤكد ان العقل يمكن ان يتعطل عن التفكير ويتوقف لديه مفعول القيم الاخلاقية و الدينية في مختلف المواقف اليومية .
لا شك ان التغيرات التي طرأت على الجوانب الحياتية للمواطن مثل التبدلات الإقتصادية وتدهور الحياة المعيشية وتراجع الحالة الثقافية و ضعف المؤسسات التعليمية والتربويه في ترسيخ مبادئ التفكير السليم والنقد البناء وتعزيز المهارت بالاضافة الى غياب الدور المحوري للاعلام في تعزيز ثقافة الايجابية..وغيرها , كلها ساهمت في تشكيل عقلية عدوانية عند البعض احيانا ليتخذوا من الإستقواء والتنمر والتعدي على الآخرين اسلوباً في التواصل وحل المشكلات أياً كان نوعها فظهرت هذه الجرائم (القدح والذم والتحقير) على واقع الموافف اليومية وعلى مواقع التواصل. وعلى صعيدٍ اخر انعكس ذلك ايضاً على السلوك الفردي لبعض الشباب اثناء الإعتصامات السلمية والوقفات الإحتجاجية حيثُ أثروا سلباً بالخروج عن النطاق الحضاري المعتاد في التعبير عن الرأي من خلال التخريب المُتعمد والتعدي على المواطنين و الإستقواء على أفراد الأجهزة الأمنيه أحياناً . ناهيك عن العنف الجامعي ولا مجال للخوض فيه الان .
كل هذا يجعلنا اكثر حاجة اليوم الى وقفة صريحة من علماء الإجتماع والقادة السياسين والمفكرين في بلدنا لمحاولة الوصول الى تفسيرٍ لهذه المُعضلة الفكرية مع حلولٍ سريعه و واقعية , فنحن اليوم- في الاردن- على أبوب حِقبة جديدة من الإنفتاح السياسي والحزبي في مجتمع يوصف بالتعددية وتنوع نسيجه ونحتاج فيها الى نهج مختلف بالتفكير و النقد والتحليل , فاذا لم يكن شبابنا مؤهلا بالمهارات التي تمكنه من ذلك فان هذه المرحلة ستكون صعبة جدا و مليئة بالتشوهات ولن نجني ثمارها بسهولة , فقوانين الردع والعقوبات لا تكفي ولا تعتبر حلاً جذرياً وانما يكمن الحل في تمكين الشباب بمهارات التفاوض والتأثير والإقناع وحل المشاكل والتواصل الفعال ,ويعتبر هذا استثمار قريب الأمد و سينعكس بشكل حقيقي في بناءِ شخصيةٍ قيادية قوية مُتمكنة ومُساهِمة في الحراك السياسي والحزبي والإجتماعي بشكل ايجابي فيكون الشباب شريكاً ناضجا في العملية الإصلاحية أيضاً.
ان مثل هذا الخبر لايصح ان يمر مرور الكرام دون اتخاذ ما يلزم من خطط واقعية تجعل من مجتمعاتنا متمكنة ومنفتحة في ان واحد لنضمن الاستقرار في مختلف نواحي حياتنا .