01-03-2023 09:16 AM
بقلم : اللواء الركن (م) د . محمد خلف الرقاد
الأبعاد الاستراتيجية : السياسية والعسكرية لقرار تعريب
قيادة الجيش العربي الأردني ( 01 آذار 1956)
سرايا - بقلم : اللواء الركن ( م ) الدكتور محمد خلف الرقاد - يحيي الأردن ومؤسساته المدنية والعسكرية والأمنية في الأول من آذار من كل عام ذكرى عطرة شكّلت منعطفاً استراتيجياً " سياسياً وعسكرياً " دُوّن بأحرف من نور زيّنت السجل السياسي والعسكري الأردني ، حيث اتخذ جلالة المغفور له الملك حسين في الأول من آذار عام 1956 قراره التاريخي القاضي بتعريب " قيادة " الجيش العربي ، الذي كان على الدوام عربياً بقيادته وبرجاله ومنسوبيه ، حيث شكّل قرار جلالته خطوة تاريخية جريئة ومرحلة مفصلية ألقت بظلالها الإيجابية على الحياة السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الأردن .
كان جلالته يدرك عمق وخطورة قراره في عزل الجنرال كلوب والقادة الإنجليز الآخرين ، وما سيترتب عليها ، ولكنه كان مؤمناً وواثقاً بسداد هذا القرار من الناحيتين السياسية والعسكرية .
لقد كان القرار هامّاً وتاريخياً ، وحازماً شجاعاً ، وحكيماً ، وسياسياً ، وعسكرياً ، وسيادياً، عاد بالنفع العسكري على الجيش العربي الأردني وعلى منسوبيه ، وبالنفع السياسي على النظام السياسي الأردني بمجمله ، وترتبت عليه نتائج كبيرة وهامّة ، وكان ذا تأثير فاعل على الصعد العسكرية والسياسية والاقتصادية والمعنوية كافة .
البيئة السياسية والعسكرية للقرار .
حينما اتخذ المغفور له جلالة الملك حسين طيب الله ثراه القرار ، كان قد تجاوز العقد الثاني من العمر بقليل ، ولكنه كان متميزاً بفكر سياسي نير ، وبفكر عسكري استراتيجي في مرحلة مبكرة من العمر ، فقد اكتسب الفكر الأول من فطرته السياسية ومن بيئته الأسرية ، حيث نشأ في أحضان جده " الزعيم العربي والسياسي المحترف " جلالة الملك عبدالله الأول ابن الحسين ، وفي أسرته الهاشمية العريقة في الخبرة السياسية والحكم ، أمّا الفكر العسكري المبكر فقد اكتسبه من نشأته أيضاً ، ومن البيئة العسكرية للجيش العربي الأردني الذي كان دائم التواصل مع وحداته وتشكيلاته منذ الصغر ، يزور الوحدات والتشكيلات العسكرية ، ويشاهد التمارين العسكرية ، كل ذلك قبل أن يلتحق كتلميذ دارس في كلية ساندهيرست العسكرية في بريطانيا ، فكان قد عاش حياة الميدان العسكرية منذ نعومة أظفاره ، وتعرّف على صنوف القوات المسلحة الأردنية كلها .
أمّا على صعيد الأردن السياسي ، فكانت المملكة الأردنية الهاشميّة في تلك الفترة تعاني من تبعات الانتداب بعد الاستقلال الذي نالته في 25 أيار من عام 1946 ، ذلك أنها بقيت مرتبطة بالمعاهدة الأردنية البريطانية حتى تم إلغاؤها في العام الذي تلا قرار التعريب أي عام 1957 .
في تلك الفترة كانت الظروف السياسية المحيطة بالأردن ، وفي مناطق كثيرة من العالم تشهد حركات تحرر من السيطرة الأجنبية ، وكانت هناك طموحات للقيادات والشعوب العربية بالتخلص من آثار الهيمنة والسيطرة الأجنبية ، والأردن بقيادته السياسية والعسكرية ليس بمنأى عن هذه الظروف ، بل أن الأمر كان يعتمل في ذهن وفكر الملك الشاب الذي كان متفهماً بعمق لكل هذه الظروف منذ كان تلميذاً في ساند هيرست .
من جانب آخر على الصعيد السياسي أيضاً ، كانت إسرائيل تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى تحقيق أهداف بروتوكولات حكماء صهيون بإقامة الكيان الصهيوني على حساب الشعب العربي الفلسطيني ، وكانت تسعى في تلك الفترة إلى استغلال الآثار السياسية الناجمة عن حرب عام 1948 لتحقيق مثل هذه الأهداف .
على الصعيد الداخلي في الأردن حدثت بعض المتغيرات السياسية مثل : التعديلات على القانون الأساسي التي تبلورت في دستور 1947 لتتلاءم مع المتغيرات السياسية التي حصلت بعد استقلال المملكة الأردنية الهاشميّة ، وتوحيد الضفتين بعد مؤتمر أريحا في عام 1950 ، وبعدها إغتيال المغفور له الملك عبدالله الأول ابن الحسين في جنبات القدس وهو يهم لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى الشريف ، وتبع ذلك وضع الدستور الأردني في عهد جلالة المغفور له الملك طلال في عام 1952 .
في 11 آب 1952 نودي بالأمير حسين بن طلال ليصبح ملكاً على المملكة الأردنية الهاشمية ، وتسلم سلطاته الدستورية في 2 أيار من عام 1953 .
البيـــــئة العســــــــــكرية .
كان الصراع العربي الإسرائيلي آنذاك على أشده ، وكان الجيش العربي الأردني قد خاض المعارك الضارية ضد الجيش الإسرائيلي في القدس في أحيائها وعلى أسوارها ومشارفها ، وقدّم رجال الجيش العربي الأردني أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن المقدسات ، فخاضوا المعارك في اللطرون والشيخ جراح وباب الواد والنوتردام وغيرها ، وتمكنوا من المحافظة على مدينة القدس عربية .
بعد ذلك بدأ الجيش العربي يمر بمراحل مختلفة من حيث التطوير والتحديث والتسليح والإعداد والتدريب .
في هذا الوقت وقبله كان الجنرال كلوب يشغل منصب رئيس أركان الجيش العربي ، وكان هناك ضباط إنجليز يشغلون عدداً من المناصب القيادية في الجيش ، في بعض التشكيلات العسكرية ، وفي بعض الأجهزة ومنها جهاز الاستخبارات .
كان جلالة الملك حسين ومنذ انخراطه كتلميذ في كلية سانت هيرست العسكرية في بريطانيا غير مرتاح لهذا الوضع العسكري في الجيش العربي ، وبخاصة أنّ على رأس الهرم العسكري الأردني قيادة أجنبية متمثلة بالجنرال كلوب وبعض الضباط الإنجليز ، وقد أسرّ جلالته بذلك لبعض الضباط الأردنيين الذين التقاهم في لندن ومنهم الملحق العسكري هناك بأن طموحه أن يكون هناك ضباط أردنيون يقومون على قيادة الجيش العربي .
أسباب اتخاذ القرار .
يقول جلالة الملك حسين رحمه الله : " إن الرأي العام كان يجهل قضية عزل الجنرال كلوب من منصبه بأنها قضية أردنية تماماً ، لأن كلوب كان قائداً عاماً للجيش العربي الأردني ، وكان يعمل لحساب حكومتي " .
يمكن تلخيص أسباب اتخاذ هذا القرار الاستراتيجي في سببين رئيسين هما :
أ . اختلاف جلالة الملك حسين كقائد أعلى مع الجنرال كلوب على الاستراتيجية الدفاعية التي كان ينتهجها الجنرال كلوب .
ب . دور الضباط الأردنيين في الجيش العربي الأردني .
لقد مارس جلالة الملك حسين صلاحياته ومسؤولياته بموجب الدستور بصفته القائد الأعلى للجيش ، فهو الذي يضع الأهداف السياسية للاستراتيجية العليا للدولة بصفته ملكاً( قائداً سياسياً للبلاد) ، وكذلك هو الذي يضع الأهداف العسكرية للاستراتيجية العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية للدولة بصفته قائداً عسكرياً أعلى للجيش .
لقد كانت المؤسسة العسكرية الأردنية ( الجيش العربي ) تمثل المؤسسة الأقوى والأكثر فاعلية من بين المؤسسات الوطنية ، وهذا أعطى الجنرال كلوب مجالاً قوياً وواسعاً في التحكم بظروف الجيش ووضع استراتيجيته العسكرية ، حيث كان يعتمد الاستراتيجية الدفاعية في خوض المعارك خلال الصراع العربي الإسرائيلي ، مما يشير إلى بعد مهم في تحكم ودور الجنرال كلوب في نمو وتطور وتحديث الجيش العربي .
أيضاً في المقابل كان هناك ضباط أردنيون لديهم كفاءات عالية وقدرات وإمكانات على مستوىً عالٍ ، ويتميزون بمواصفات قيادية متقدمة تمكنهم من تسلم مناصب قيادية في الجيش على مختلف المستويات القيادية ، ولديهم الإمكانات الكافية للنهوض بقواتهم المسلحة على مختلف صنوفها ، لكنهم كانوا محرومين من المناصب القيادية المتقدمة ، فكان أحدهم لا يتجاوز طموحه استلام منصب قائد سرية بسبب السياسة التي كان ينتهجها الجنرال كلوب في تسليمهم المهام القيادية.
لقد طلب جلالة الملك حسين من الجنرال كلوب أن يضع استراتيجية لتطوير الجيش العربي حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه ، فكانت إجابة الاستراتيجية التي وضعها الجنرال بأن الجيش العربي لن يستطيع الاعتماد على نفسه قبل حلول عقد الثمانينات ، وليس كل الأسلحة ، إنما فقط سلاح الهندسة الملكي ، وإن أول ضابط أردني يمكنه استلام منصب قيادي لن يكون قبل عام 1985 ، وكأن الجنرال كلوب يقول لجلالة الملك أنه يمكننا الحديث في هذا الموضوع بعد ثلاثين عاماً من الآن ( والحديث في منتصف الخمسينيات ) .
لقد كان هناك فارق في السن وفي الفكر وفي الحماس ما بين جلالة المغفور له الملك حسين وما بين الجنرال كلوب ، فجلالته كان شاباً متحمساً ومندفعاً لخدمة وطنه وشعبه وجيشه ، والجنرال كلوب كان قد تجاوز الستين وكان متأثراً بالمفاهيم العسكرية التي لا تتماشى مع روح العصر ، ولا تستجيب لطموحات جلالة الملك ، وقد اختلف جلالته مع كلوب على الاستراتيجية الدفاعية التي كانت موضوعة لينتهجها الجيش العربي ، في حين كان جلالة الملك يريدها استراتيجية هجومية بمعنى أن تتضمن الرد الفوري والسريع لردع العدو ، لكن الجنرال كلوب كان يتبع طريقة تقديم النصح بالتزام جانب الحكمة والحذر .
يضاف لذلك القيود التي كانت تضعها بريطانيا على تزويد الأردن بالسلاح آنذاك ، في ظل تصميم جلالة الملك حسين على إنشاء جيش قوي متوازن يدعمه غطاء جوي قوي ، وكان جلالته يرى أن تحقيق ذلك صعب المنال مادام الجنرال كلوب في منصبه كرئيس للأركان .
هنا رأى جلالة الملك الحسين القائد الأعلى للجيش بأن الشعور الوطني والكرامة والقومية تملي عليه بأنه أصبح من الضروري اتخاذ القرار بإنهاء خدمات الجنرال كلوب كضابط انجليزي يعمل لحساب الحكومة الأردنية في منصب رئيس أركان الجيش العربي الأردني .
طلب جلالة الملك حسين من رئيس الوزراء آنذاك دولة سمير الرفاعي أنه يرغب في إنهاء خدمات رئيس أركان الجيش العربي الجنرال كلوب ، ونفًذت الحكومة رغبة جلالة الملك فوراً ، وقرر مجلس الوزراء في قراره رقم 198 تاريخ 1 آذار 1956 ما يأتي :
ج . إنهاء خدمات القائم مقام ( باتريك كوجهل ) مدير الاستخبارات .
د. انهاء خدمات الزعيم ( العميد ) هاتون مدير العمليات العسكرية .
أبلغ رئيس الوزراء الجنرال كلوب بالقرار وطلب منه أن يغادر عمان في صباح اليوم الثاني 2 آذار حسب توجيهات جلالة الملك حسين .
تلا ذلك تطوير جذري على الجيش العربي في مجالات القيادة والإدارة ، وفي مجالات تطوير الأسلحة كسلاح الجو والمشاة والدروع والمدفعية والهندسة والاتصالات ، كما تم فصل الشرطة عن الجيش .
الأبعـــــــــاد السياسية والعسكرية .
تضمن القرار التاريخي لجلالة الملك حسين القاضي بتعريب قيادة الجيش أبعاداً سياسية وعسكرية من أهمها :
أ . الأبعاد السياسية .
ب . الأبعاد العسكرية . أخذ القرار أبعاداً استراتيجية عسكرية وتتلخص بما يأتي :
الخلاصــــــــــــــــــــــــة .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-03-2023 09:16 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |