06-03-2023 08:51 AM
بقلم : محمد يونس العبادي
عرار.. شاعر الأردن، واحد من أهم كتب السيرة الغيرية في أدبنا الأردني، حيث أرّخ البدوي الملثم (يعقوب العودات) لواحدٍ من أعلامنا، وهو الشاعر مصطفى وهبي التل، أو صديق الشعب، كما يسميه العودات.
في هذا الكتاب، الرشيق بنصوصه، والغني بالقصص عن عرار، يروى الكاتب العديد من المواقف التي توثق لحياة شاعرنا، ويقول «ما عرفت شاعراً أو حامل قلم تفاعل مع الشعب وأحبه، وحنّ عليه، كـ «مصطفى وهبي التل».
ويدلل العودات على وصفه هذا لعرار، بأنه «شبّ وفتح عينيه على الجور والظلم اللذين صبّ الطورانيون جامها على بني قومه، وجرعوهم الزقوم والغسلين، ورأى مشانق السفاح في بيروت ودمشق».
ويرى العودات أنّ هذا العصر، وجوره، هو ما أثر بعرار ليكون متمرداً على الظلم، والجور، حتى أنه «ركل كبريات الوظائف، وناصب ذوي الشأن العداء، وشن عليهم أعنف الغارات، لا طمعاً بمغنم، وإنما إسعاداً لشعبه، وتخليداً للأردن على خارطة الدنيا».
هذا الكتاب، وهو الجدير بالقراءة والاستحضار اليوم، يروي جانباً مهماً من اللحظة التاريخية التي اندفعت بها النهضة العربية الكبرى، وما اختلج الشاعر عرار من مشاعر عروبية حيالها، حيث وقعت الحرب العالمية الأولى وعرار طالباً في دمشق وبيروت وحلب، وهناك كان يدعو، في السر والعلن، إلى الانضمام إلى الجيش العربي، طمعاً في أن يرى العلم العربي خفاقاً على البسيطة.
لقد بقي عرار، شأنه شأن العروبيين من ذلك الجيل، مستمسكاً بالمشاعر القومية، ومنادياً بإنصاف العرب، لمّا قلب لهم الحلفاء ظهر المجن.
ويتتبع العودات في كتابه سيرة عرار الوظيفية، حيث انتسب بدايةً إلى سلك التعليم، وكان يحرض الطلبة على المعتمد البريطاني، وخاطبه بالقول:
لا تحسب الجرح فيمن لا يضج أسىً، يا كوكس مندملاً فالضيم نكاء. والحق لا بد من إشراق طلعته، مهما استطالت على أهليه ظلماء. وقوة الضعف وإنّ جاشت مراجلها، تنمرت نعجة واستأسدت شاء.
وفي سبيل هذه الصرخات، عزل وسجن ونفي عرار، ولكنه وبحسب العودات، عاد إلى سلك القضاء «فخدم الشعب خدمات يذكرها الطفارى، والمفاليس بالشكر».
ويوثق العودات للشاعر مواقفه مع المرابين، حيث كان دوماً لهم بالمرصاد، وهو في سلك القضاء، ومن بين ما كان يردده عرار، حتى أصبح قولاً سائراً على ألسنة الأردنيين: «إنّ المرابين إخوان الشياطين».
ويوثق العودات، موقفاً لعرار حين شغل عرار وظيفة مأمور الإجراء في اربد، تلقت وزارة العدلية عشرات الشكاوي من المرابين في لواء عجلون، فحواها أن شاعرنا أهمل قضاياهم وحرض المدينين على ألا يدفعوا ديونهم، وحارب المرابين حرباً لا هوادة فيها وتحداهم في نفوذهم وفيمن يعولون عليهم، فوجه مفتش العدلية كتاباً رسمياً لعرار استوضح فيه عن أسباب تلك الشكاوي.
وبعد أيام بعث عرار إلى مفتش العدل برد قاسٍ ختمه بقوله:
"لقد فاتهم كما فاتكم أني لست من الذين يقرع لهم بالشنان ويغمز جانبهم كتغماز التين، فليكفوا عن شكاواهم الباطلة ولتكفوا عن سماع ترهاتهم، والله من وراء القصد!"
وعرف المرابون فحوى رد عرار فتألبوا عليه وملأوا الدنيا صراخاً ورفعوا الشكاوي إلى وزير العدل فبعث هذا بمفتش العدلية إلى اربد للتدقيق في القضايا الإجرائية التي أهمل عرار تنفيذها ووجه إليه العديد من الأسئلة، بينها سؤال يقول «لوحظ أنكم لم تنفذوا الحكم في القضية الإجرائية رقم كذا تاريخ كذا فما سبب ذلك؟ فجاوبه عرار «هب الهوا يا ياسين...يا عذاب الدرّاسين».
وفي سؤال آخر، لوحظ أنكم لم تنفذوا الحكم في القضية الإجرائية رقم كذا تاريخ كذا فما سبب ذلك؟ فأجاب عرار: «يا حمرا يا لوّاحة...لونك لون التفاحه!».
وتسلم وزير العدل أجوبة عرار بالمنطوق العامي فحملها في حقيبته ويمم اربد وسأل عرار عما يعنيه بالزجل الشعبي الذي اعتمده في رده.
فقال عرار:» تريدون مني أن انفذ أحكاماً إجرائية بحق فلاحين طفارى والفصل شتاء، والفلاح لا يغنّي مثل هذه الأغاني الزجلية الا وهو فرح مسرور في فصل الصيف، فصل الحصاد والكيف، فهال المرابين أن يصبروا إلى أن يحل الصيف، فإذا جاء الموسم خصباً نفذنا الأحكام وإلا فليبلطوا البحر!"
إنّ الحديث عن عرار يطول، وخير من أرّخ لهذا الشاعر البدوي الملثم، وهو الأديب الأردني أبو خالد يعقوب حنا العودات، المولود في الكرك.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-03-2023 08:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |