12-03-2023 03:51 PM
بقلم : عدنان ابوقاعود / خبير ومدرب مصرفي
جرت العادة من سنوات أن تقوم بعضاً من البنوك بتأجيل أقساط قروض الافراد ضمن شروط قبل الاعياد من باب كسب رضا عملاءهم، الا انة بعد الجائحة أصبحت المطالبة بتأجيل الاقساط قبل كل مناسبة دينية او احتفالية تمارس كحق مُكتسب.
خلال عام 2022 ، وبتوجية من البنك المركزي أجلت البنوك التجارية أقساط قروض الافراد ثلاث مرات كان أخرها بشهر كانون أول بعد الاحتجاجات على ارتفاع أسعار المحروقات، والان ومع اقتراب شهر رمضان المبارك ترتفع أصوات تطالب بتأجيل الاقساط، حتي أن عدداً من النواب تبنى هذه المطالبة، بل ورفعوا سقف المطالبة بتأجيل أقساط شهري أذار ونيسان بمناسبتي شهر رمضان والعيد.
هذه المره علق البنك المركزي على مطالبات التأجيل وعلى لسان المحافظ نفسة حيث قال: ان قرار تأجيل أقساط القروض يعود للبنوك ولا علاقة للبنك المركزي به، وأضاف أن تأجيل الاقساط ظاهرة غير صحية وان السيوله وهمية، وحذر من عدم صحة التأجيل وما ينتج عنة، وبذلك يكون قد رمى الكرة في ملعب البنوك لتواجة ضغط مطالبات الشارع ولتقرر ما يناسبها.
جيد ان حيد البنك المركزي نفسه بالتخلي عن قرار الزام البنوك تأجيل الاقساط كما فعل العام الماضي، وترك الامر للبنوك نفسها لتتحمل مسؤولية قرار التأجيل من عدمة، كونه بالاصل البنك هو من قرر منح العميل القرض بناء على دراسة ائتمانية حددت من خلالها قيمة القرض ومقدار القسط ومدة السداد اعتماداً على دخل المقترض وعمره والضمانات، والبنك هو الذي يتحمل مسؤولية قراره ولا يحق لاي جهة حتى البنك المركزي ان يتدخل في قرارات البنوك العملياتية الا من باب الرقابة والتدقيق والتوجية والمحاسبة.
ان ممارسة تأجيل الاقساط على اطلاقة لسنوات حتى أصبحت عُرفاً وحق مكتسب للبعض، يساهم في نسف أسس دراسة منح القرض ويربك البنك والعميل ويجعل منه مشروع متعثر مستقبلاً. هذا اضافة الى أن تأجيل الاقساط ظاهرة غير صحية بل وهمية وغير واقعية لانها لم تضخ من مصدر جديد كزيادة الرواتب او معونات حكومية، وغير مؤثره لانها لا تذهب كاملة للسوق، ومؤقتة لانها طارئة وغير متكررة، وغير عادله لانها لا تشمل جميع المقترضين، كما ان استفادة المقترضين منها نسبية كُلاً حسب قيمة قسطه، وبالتالي لا تُضيف للاقتصاد الكلي أي اضافة ملموسة، بل تُشجع على زيادة الاستهلاك الضار وتساعد على الغرق بمستنقع المديونية.
هناك أداه مصرفية تسمى الهيكلة تلجأ لها البنوك لمعالجة حاجة بعض العملاء في بداية تخلفهم عن السداد ويكونوا بحاجه فعلية الى تأجيل القسط أو تخفيضه أو زيادة المده، نتيجة اسباب ممكن ان تحصل مع العميل وخارجة عن ارادته مثل انخفاض دخله أو فقدان العمل او المرض، ويتم دراسة كل حالة وغالباً يتعاون البنك مع العميل في سبيل ضمان سداد الاقساط حسب وضعة المادي الجديد.
واذا نظرنا الى تقارير البنك المركزي الاردني نجد أن عدد المقترضين الافراد من البنوك الاردنية يقارب 1.3 مليون مقترض، مدينون للبنوك بأكثر من 13 مليار دينار، والغريب انة على الرغم من ارتفاع أسعار الفائده، وتأكل المداخيل نتيجة التضخم. الا ان عدد المقترضين من البنوك والمبالغ المقترضة في ازدياد، وهذا يدل على شراهة البنوك باستهداف قطاع الافراد المُنهك مادياً بمنتجات وحوافز وعروض وتسهيلات، اضافة لحاجة العملاء الذين يتجاوبون مع العروض مهما كانت التكلفة.
من وجهة نظر البنوك، فان قيمة الاقساط التي تُحصلها من الافراد شهرياً تعادل 220 مليون دينار وتعتبر تدفق وسيولة نقدية للبنوك يمكنها اقراضها لعملاء جدد مرة اخرى بسعر فائده أعلى، أما في حال التأجيل فتعتبر زيادة منح لنفس المقترضين وتسري عليها الفائده، أي أن البنوك مستفيده بالحالتين سواء تم تأجيل الاقساط أم لا.
بالمقابل من زاوية المقترضين، فان الاستمرار في سداد الاقساط يعتبر تخفيض لرصيد القرض، أما في حال التأجيل فيعتبر تمديداً لمدة القرض بنفس الرصيد ويتحمل المقترض قيمة الفائدة عن الرصيد الكلي لنهاية عمر القرض، وهذا يشكل عبئ اضافي على العميل نشأ عن التأجيل. وهنا سأعرض مثال عملي أوضح من خلاله بشكل بسيط الاثر السلبي الناتج عن تأجيل قسط.
مثال: لو فرضنا أن عميل طلب تأجيل قسطة البالغ 300 دينار لنهاية مدة القرض المتبقيه البالغة 10 سنوات بفائده 8%، فتكون قيمة الفائدة المترتبة على تأجيل هذا القسط 240 دينار، أي أن الفائدة المترتبة على تأجيل القسط تعادل 80% من قيمة القسط المؤجل، وهذا الاثر ينسحب على كل قسط تم ويتم تأجيلة خلال عمر القرض، لكن للاسف أغلب المطالبين بالتأجيل لا يدركون هذه النتيجة، وان أدرك البعض يقبلون عليها لاستغلال الفرصة تحت ضغط الحاجة من باب ( مرغماً أخاك لا بطل ).
بالنتيجة فان الخاسر الوحيد بقرارات تأجيل الاقساط هم المقترضين، والمستفيدين هم البنوك والتجار، أي أن تأجيل الاقساط أيها السادة المقترضون ليس مكسباً.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-03-2023 03:51 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |