13-03-2023 08:44 AM
بقلم : عبدالهادي راجي المجالي
..زمان كانت المعارضة الأردنية أشهى, كنا في بداية عملنا الصحفي وحين يأتي دولة أحمد عبيدات (أبو ثامر) لاجتماع ما, كان الرجل يثير (وهرة) في المكان.. كأنه ترك خلفه غبارا لا يهدأ لأن وطيس خيله وحضوره طغت على المكان.. بالرغم من كل ما حدث مع أحمد عبيدات, هل تجرأ أحد أن يقول عنه أنه مثلا ذهب إلى سفارة.. أو أنه قبل أن يظهر في لقاء تلفزيوني على محطات الإثارة, أو أنه باع فصولا من حياته في المخابرات.. لمحطة مرموقة لقاء مليون دولار.
كان سليمان عرار يدعوني لمنزله, وذات مرة أهداني كتابه (العودة للأرض).. وحدثني عن تطور الدولة, عن زمن (الرشوف) وزمن الإغتيالات, والزمن الذي كانت فيه الناس تقاتل بالوعي والإحترام.. والزمن الذي كانت فيه الصحافة, ترفض أن تبث شتيمة أو كلمة نابية.
كان بهجت أبو غربية, وحاكم الفايز.. حين يشاركون في مسيرة, تحميهم عيون الناس.. كانوا مثل (خرزات) الذهب التي تطرز عقد خيل أصيلة, حاكم اطلالته كانت تكفي لتهزم كل القضبان والسجون.. وهل يجرؤ أحد أن يقول كلمة في حضور حاكم, هل يجرؤ أحد أن لا يقبل رأس بهجت أبو غربية..
المعارضة الأردنية ومنذ (الخمسينات) بنيت على الوعي, بنيت على هيبة الشخص وحضوره.. حاكم الفايز لو جاءت كل سفارات العالم إليه, وكل فضائيات الدنيا.. ما بدل في اخلاصه للتراب قيد أنملة, وأحمد عبيدات لم يظهر على محطة تلفزيونية.. ولم يكن يحب أن يغادر البلد حتى لو في زيارة استجمام, وسليمان عرار ظل وفيا لمعان وللشيب, ويعقوب زيادين الذي اتعبه العمر.. تقاعدت الدنيا كلها من التعب, وهو ظل يحمل تعب الرفاق والعمر على كتفيه.. اتذكر أني اجريت معه لقاء ذات يوم, وطلب مني أن اترك الورق والتسجيل.. وبدأ يحدثني عن النظرية الشيوعية? وتأثيراتها على حياة الفرد.. بدأ يفسر لي الفرق بين الأيدولوجيا التي تسقطها على نمط تفكيرك وشخصيتك, وبين الأيدولوجيا التي تقاتل بها الأفكار المضادة والإقصائية.
أحزن على معارضة اليوم.. معارضة الفيس بوك, لم اسمع يوما أحدا منهم يتحدث عن برهان غليون مثلا عن اغتيال العقل, ويسقطه على واقعنا.. لا أحد منهم قرأ علم الاجتماع وفسر حركة المجتمع الأردني وانقساماته, لا أحد منهم قدم لنا تفسيرا عن انهيار النفس القومي والإنكفاء نحو القطرية.. لا أحد تحدث عن الشخصية الفلسطينية التي نشأت بعد أوسلو وكيف أنتجت شكلا جديدا من أشكال النضال وأعادت طرح القضية بشكل اخر.. لا أحد منهم مثلا قدم تفسيرا ولو شبه منطقي, عن غياب الوعي وانحدار منسوب الثقافة, ومسؤولية الدولة.. لا أحد منهم استطاع مثلا?أن يقدم لنا ولو شرحا بسيطا عن تأثيرات علي محافظة ومحمد عدنان البخيت وهند أبو الشعر, في إعادة كتابة وتدوين وصياغة التاريخ الأردني.. هل قرأوا علي محافظة؟ أو عرفوا ماذا فعل البخيت في تاريخ بلاد الشام.. لا أحد منهم استطاع أن يقرأ تجربة خالد الكركي اليساري الذي انتقل إلى السلطة ووظف ثقافته في إطار إنتاج متنور محترم في السلطة.. محمد عدنان البخيت أمضى العمر بين الكتب, وعلم طلبة التاريخ ماذا يعني أن تمتلك منهجا خاصا في كتابة التاريخ, والبعض للأسف مازال يتحدث عن الميزانية.. وخراب البلد, ولو أجرينا مقارنة بين جهد مح?د عدنان البخيت وحده, وجهد أبطال الفيس بوك في إثراء الوعي لوجدنا أن الفارق يكاد يشبه المسافة بين جوف الأرض وقلب السماء.
نحتاج لإعادة صياغة شكل المعارضة, مفاهيمها.. خطابها, نحتاج لإعادة هيكلتها.. فهي ضرورة من ضرورات الدولة, وليست مهنة من لامهنة له.. وهي ليست وظيفة (إكسترا) لما بعد التقاعد..
المشهد بكل تبعاته لايحمل غير الألم.
Abdelhadi18@yahoo.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-03-2023 08:44 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |