بقلم : د. عدلي قندح
سنحاول في هذا المقال تحليل الآثار المتوقعة لتأجيل أقساط القروض على مختلف الأطراف المعنية في حالة قيام معظم المقترضين بتأجيل عدد كبير من أقساط قروضهم حتى نهاية فترة القرض. فقد يكون لذلك آثار كبيرة على البنوك والمقترضين والسيولة في السوق والطلب على السلع والخدمات على المدى القصير والتجار وعرض النقود. فقد بدأت قصة تأجيل القروض في بداية جائحة كورونا فتم تأجيل الاقساط لقناعة تامة عند الجميع نتيجة لشح السيولة وعندها تم أيضا تخفيض أسعار الفائدة بمئة وخمسين نقطة أساس على معظم القروض.

وفيما يلي بعض التأثيرات المحتملة: لعمليات تأجيل القروض لفترات طويلة: قد تواجه البنوك في المدى القصير انخفاضًا كبيرًا في تدفقاتها النقدية إذا قام عدد كبير من المقترضين بتأجيل أقساط قروضهم عدة مرات. وقد يؤثر ذلك على قدرة البنوك على إقراض الأموال وقد يؤدي إلى نقص السيولة في السوق. وبهذه الحالة قد تحتاج البنوك إلى زيادة رأس المال أو اقتراض الأموال من مصادر أخرى للحفاظ على قدرتها على الإقراض. اما في المدى المتوسط فستعود السيولة التي توفرت بيد المقترضين نتيجة لتأجيل الاقساط الى البنوك من خلال الأطراف المختلفة التي حصلت عليها. وستعيد البنوك استثمارها من جديد.

على سبيل المثال، اذا كان المقترضون موظفو حكومة فان الحكومة هي التي ستدفع لهم رواتبهم في نهاية الشهر بتحويلها من حسابات الحكومة في البنك المركزي أو من حساباتها في البنوك. وفي الحالة الأولى تنتقل أموال الحكومة من ودائعها في البنك المركزي الى ودائع المقترضين في البنوك، ومن ثم تنتقل من ودائع المقترضين في البنوك الى ودائع التجار في حالة انفاقها على السلع أو الى ودائع شركات أخرى في حالة تم انفاقها على خدمات تقدمها تلك الشركات. وفي كلتا الحالتين تعود الأموال للبنوك لتعيد اقراضها.

وبالنسبة للمقترضين، فقد يكون لديهم المزيد من النقد المتاح على المدى القصير. ومع ذلك، قد ينتهي الأمر بالمقترضين إلى دفع المزيد من الفوائد على مدى عمر القرض، حيث ستستمر الفائدة في التراكم على مدار الفترة الممتدة. بالإضافة إلى ذلك، إذا تدهورت دخول المقترضين أو الظروف المالية خلال الفترة الممتدة، فقد يواجهون صعوبة في سداد الأقساط الأكبر لاحقًا.

أما بالنسبة للسيولة في السوق، فقد يؤدي تأجيل دفع أقساط القروض إلى نقص كبير في السيولة في السوق، وهذا يعني توفر قدر أقل من السيولة لإقراض مقترضين آخرين، مما قد يبطئ النشاط الاقتصادي نظراً لوجود علاقة طردية بين القروض وتحقيق نمو في النشاط الاقتصادي.

وفيما يتعلق بالطلب على السلع والخدمات على المدى القصير، فإن تأجيل دفع أقساط القروض يؤدي الى توفر المزيد من النقد المتاح للمقترضين على المدى القصير وهذا يعمل على إحداث زيادة قصيرة الأجل في الطلب على السلع والخدمات.

وبالنسبة للتجار، فقد يستفيدون من زيادة الطلب على السلع والخدمات على المدى القصير. ومع ذلك، إذا أدى تأجيل سداد الأقساط إلى نقص السيولة، فقد يجد التجار صعوبة في الحصول على الائتمان أو التمويل لدعم عملياتهم التجارية.

أما عرض النقد، فقد يؤثر تأجيل دفع الاقساط على المعروض النقدي بعدة طرق، بسبب تراجع السيولة المتوفرة لدى البنوك لإقراضها، وقد يكون لدى المقترضين المزيد من النقد المتاح على المدى القصير. ومع ذلك، فإن التأثير العام على المعروض النقدي سيعتمد على حجم القروض وعدد المقترضين المعنيين.

باختصار، إذا قام معظم المقترضين بتأجيل دفع أقساط قروضهم، فقد يكون لذلك آثار كبيرة على البنوك، والمقترضين، والسيولة في السوق، والطلب على السلع والخدمات على المدى القصير، والتجار، وعرض النقود، مما قد يؤدي إلى التباطؤ في النشاط الاقتصادي. وقد يكون حجم الآثار أكبر إذا قام المزيد من المقترضين بتأجيل عدد أكبر من الأقساط، عندها قد ترتفع احجام القروض غير العاملة وندخل في متاهات الجميع بغنى عنها.

النصيحة الواجب تقديمها في النهاية هي أن لا يقوم المقترض بتأجيل أقساط قرضة لمجرد الحصول على منافع آنية زائفة لأنه سيدفع ثمن هذه المنافع لاحقاً بارقام مضاعفة وخاصة اذا كانت مدة السداد طويلة، لأن التأجيل هو بمثابة اقتراض جديد بسعر فائدة مرتفع وخاصة في هذه الاوقات.