بقلم : النائب رهق الزواهرة
لقد خص الدين الإسلامي الحنيف منزلة الأم بمكانة خاصة وأعطاها كافة حقوقها, ولم يغفل عن أي حق من حقوقها الشرعية، بل وأكثر من ذلك فقد أوجب على الأبناء طاعتها والعناية بها وبرٌها في كل وقت، وتقديرها حق التقدير، ويتجلى ذلك الأمر بوضوح بعد أن أمر بأن يكون رضاها وطاعتها بعد رضى الله سبحانه وتعالى, ولعل هذا برهان قاطع وساطع على قدسية شأن الأم ومكانتها وقدرها لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى، في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحض على بر الوالدين، فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل في سورة الاسراء: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِك?مْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً).

وكذلك قوله تعالى في سورة لقمان:

(وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)..

وقد ورد عن نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تصف فيها واجب بر الوالدين على الأبناء, وكم بر الوالدين مهم في الدنيا والآخرة، وقد أوصى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث جاء رجل يسأله فقال: يا رسول الله مَنْ أحقُّ الناس بِحُسن صَحَابَتِي؟ قال: «أمك» قال: ثم مَنْ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أبوك».

فقد كرر عليه الصلاة والسلام كلمة الأم ثلاثة مرات لتأكيد عظمتها وأهميتها, وقد كان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام قدوة حسنة في بر الوالدين وبخاصة الأمهات, وكان ذلك من خلال الإحسان والرفق التي كانوا يعاملون بها أمهاتهم.

وقد يسأل سائل لماذا كل هذا الاحترام والوقار بالنسبة إلى الأم والإجابة هنا أن الأم هي بداية النجاح والفلاح والصلاح لكل إنسان, فهي التربة الخصبة الصالحة لنبتة أبنائها وهي المؤثر الأول والمباشر في تكوين شخصية الإنسان منذ أن يصبح طفلاً في المهد, كما أنها تتحمل العبء الكبير وتبذل الجهد الكثير من أجل تربية أبنائها تربية صالحة، وكل ذلك دون أن تنتظر أي مقابل, وهي أيضاً التي حملته تسعة أشهر وتحملت المشقة والعناء والآلام، لذلك حين نذكر كلمة الأم تنحسر وتتبعثر الحروف منا، ولا نستطيع الوصف، فهي مدرسة للتربية والتعليم ?القيم والصبر والعطاء، وكيف لا وهي التي تربي وهي التي تسهر الليالي, وهي التي تدلل أبناءها وتعطف عليهم وتمنحهم الحب والحنان, فلا شيء يضاهي محبتها في القلب.

وينبغي علينا لفت الانتباه هنا إلى أن أهم الأعمال التي يمكن أن يبر الأبن بها والديه, وهو أن يدعو لهم باستمرار بالهداية والرحمة والمغفرة، وفي حفظ جسدهما من كل أذى, ورضا الله سبحانه وتعالى عليهم, ومن المهم جدا أن يفعل الأبن لوالديه عملاً صالحا ً

ينتفع به مثل الصدقة الجارية, والتي قد تكون على شكل بناء مساجد أو مدارس أو معاهد لحفظ القرآن الكريم, أو توزيع نسخ منه على الناس بأسماهما هذه هي الصدقة الجارية التي تنفعهم بعد وفاتهم.

ومن تمام هذا الموضوع الإشارة إلى أن أحكام الشريعة الإسلامية السمحة قد رغبت بوصل الأم المشركة، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت (قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, قلت: قدمت عليٌ أمي وهي راغبة ً أفاصل أمي؟ قال عليه السلام: (نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ) رواه البخاري.

ولسنا نشك بعد ذلك كله, أن بر الوالدين هو أقل وأبسط شيء ممكن أن يقدمه الأبناء لوالديهم، ذلك أن بر الوالدين أقل درجات الإحسان التي يجب أن تُقدم للوالدين, فهم موجودون طوال العمر مع أبنائهم.