سرايا - في وقت يشهد لبنان انهياراً اقتصادياً هو الأسوأ في تاريخه الحديث، حيث بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر عاجزون عن تأمين أبسط مقوّمات العيش، تحوّل المشهد السياسي ووسائل التواصل الاجتماعي إلى "ساحة حرب" مفتوحة لسجال طائفي حول حقوق المسيحيين والمسلمين، وفرصة لتيارات سياسية متخاصمة لتبادل الاتّهامات، بسبب "التوقيت الصيفي"!
فقد انطلق السجال الطائفي قبل أيام قليلة ولا يزال مستمراً بقوة، بسبب فيديو لرئيس مجلس النواب نبيه بري، يطلب من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تأخير العمل بالتوقيت الصيفي العالمي، مراعاة للصائمين خلال شهر رمضان.
وكالنار في الهشيم، انتشر المقطع المصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأحدث بلبلة جرّاء عدم التزام بتعديل الساعة والتوقيت الذي كان معمولا به لعقود في البلاد، وصلت إلى حدّ التحريض الطائفي أحياناً، حيث انقسمت مواقف اللبنانيين بين من يلتزم التوقيت "الميقاتي" ومن يرفض ملتزماً تقديم الساعة اعتباراً من منتصف الليل.
كما دخلت "البطريركية المارونية" على خط السجال، فأعلنت مساء أمس السبت التزامها تقديم الساعة ساعة واحدة منتصف هذه الليلة، واعتبرت أن القرار ارتجالي ومن دون التشاور مع سائر المكوّنات اللبنانيّة ومن دون أيّ اعتبار للمعايير الدوليّة.
إلى ذلك، أثار القرار المفاجئ بلبلة بين المعنيين بقطاعات ترتبط مباشرة بالتوقيت العالمي وفي أوساط شركات الطيران وبين المسافرين الذين سبق أن حجزوا تذاكرهم بحسب التوقيت الصيفي المعتاد.
كما أفيد بأن مصرف لبنان أعلن "ألا حاجة لتغيير أي شيء في النظام لأنه سيتبع تغيير الوقت الطبيعي بدلاً من قرار الحكومة"، مشيراً إلى أنه "لا تغيير في الدوام الحضوري للموظفين ولا تغيير في توقيت جلسات المقاصة، وأن الأمور ستستمرّ دون تعديل، أي وفقاً لقرار الحكومة"، لكن أشار إلى أن التغيير الوحيد سيكون في التوقيت الخاص بالأنظمة كونها مرتبطة بالتوقيت العالمي"، ما يعني أن مصرف لبنان والمصارف ستعتمد توقيتين.
كذلك أعلنت مؤسسات إعلامية محلية وتربوية أمس عدم التزامها بالتوقيت الجديد، وأبقت على التوقيت الصيفي المعتاد.
وقال عضو لجنة الاتصالات والتكنولوجيا النيابية النائب سعيد الأسمر لـ"العربية.نت" "إن قرار تأخير العمل بالتوقيت الصيفي عشوائي وغير مدروس ويعكس طريقة إدارة البلد"، وطالب بالرجوع عنه سريعاً تجنّباً لمزيد من الخسائر على الاقتصاد المحلي المتأزّم أصلاً".
كما أضاف قائلاً: "أي قرار بتغيير التوقيت الصيفي يجب أن تسبقه دراسة علمية واقتصادية مع أصحاب الشأن، لاسيما شركات الإنترنت والبرمجة لمعرفة تداعيات هكذا قرار، وهو ما لم يحصل مع العلم أن قرارا كهذا كان يجب أن يُتّخذ قبل سنة كحد أقصى من أجل إعلام الشركات العالمية كي تُرتّب تعاملها مع لبنان وفق التوقيت الجديد".
إلى ذلك، لفت الأسمر إلى أن مصرف لبنان والمصارف الخاصة بالإضافة إلى شركات التكنولوجيا والمعلومات وشركات الطيران لن تلتزم بقرار إلغاء التوقيت الصيفي، لأنها ستتكبّد خسائر ضخمة كما ستواجه مشاكل تقنية عديدة.
من جهته، أوضح جوزيف خويري، نقيب شركات المعلوماتية والتكنولوجيا في لبنان لـ"العربية.نت" "أن قرار تأخير العمل بالتوقيت الصيفي سيُدخلنا في المجهول، لأن معظم شركات التكنولوجيا في البلاد مرتبطة بتوقيت النظام العالمي". وشرح المشاكل التقنية التي سيواجهها اللبنانيون، لافتاً إلى أن "أي مستخدم لمحرّك البحث Google"، لن يتمكّن من الحصول على نتيجة البحث قبل إجراء تعديل في التوقيت على جهاز الكومبيوتر الخاص به، لأن Serveur الكومبيوتر مُبرمج حسب توقيت النظام العالمي. كما أن العمل على نظام Teams سيتأثّر بتعديل التوقيت، لأنه يعمل وفق نظام مايكرسوفت".
كما أشار إلى "أن شركات الاتصالات في لبنان ستواجه مشاكل تقنية بسبب القرار، لأن ليس لديها الوقت الكافي لبرمجة التوقيت، ما يعني أن اللبنانيين سيفعلون ذلك بأنفسهم". واعتبر "أنه كان يُمكن للبنان تجنّب التداعيات السلبية لقرار تغيير التوقيت الصيفي لو اتّخذ قبل ثلاثة أشهر على الأقل، حيث يتم إبلاغ الشركالت العالمية مثل غوغل ومايكروسوفت و"آبل" بذلك".
وليست المرّة الأولى التي يلجأ فيها لبنان إلى تغيير التوقيت الصيفي. إذ فعلها في العامين 1989 و1998، لكن لفترة قصيرة.
لكن خويري أوضح أنه "في ذاك الوقت لم يكن هناك تطور في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، لذلك مرّ القرار بسلاسة ومن دون تداعيات سلبية على الاقتصاد، على عكس اليوم حيث هناك شركات محلية مرتبطة بالتوقيت العالمي". كذلك لفت إلى تأثّر عمل الوزارات في لبنان بالقرار، لأن نظام البرمجبة فيها يحتاج إلى تعديل".
يشار إلى أنه فيما السجال لا يزال مشتعلاً بين العديد من اللبنانيين على وسائل التواصل، عبر البعض عن امتعاضه للمستوى الذي وصل إليه هذا الجدل، مرتدياً حلة طائفية فاقعة في وقت يغرق البلد بأسوأ أزماته على الإطلاق!