27-03-2023 08:01 AM
سرايا - رغم مجانية وسائل النقل العام في لوكسمبورغ منذ 3 سنوات، والجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات للاستثمار في هذا القطاع، فإنها لا تزال تجد صعوبة في التنافس مع المركبات الخاصة التي يفضلها السكان وإن كانت أكثر تكلفة.
المتخصص في النقل لدى مركز "ليسر" للبحوث في لوكسمبورغ، ميرلان جيلار، قال في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، إنّ "ثقافة السيارة مهيمنة جداً، في حين أنّ استقطاب السكان نحو وسائل النقل العامة مسألة معقدة بصورة كبيرة".
ففي نهاية العام 2021، سجّل البلد الصغير الذي يضم 650 ألف نسمة، ويقع بين ألمانيا وبلجيكا وفرنسا، ثاني أعلى معدل لاستخدام السيارات بين دول الاتحاد الأوروبي، إذ إنّ ما معدّله 681 شخصاً من كل ألف فرد لديهم سيارات، بحسب معهد "يوروستات".
كما أنه من بين الدول السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي، وحدها بولندا تخطّت هذا الرقم مع تسجيل 687 سيارة لكل ألف بولندي.
وزير النقل في لوكسمبورغ، فرنسوا باوش، يقول مازحاً: "غالباً ما أقول إنّ الألمان يصنّعون السيارات وسكان لوكسمبورغ يشترونها"، مع أنّ حركة المرور شهدت انخفاضاً في العاصمة منذ تشغيل الترامواي عام 2017، على حدّ قوله.
وتتفاخر الحكومة في لوكسمبورغ باستثمارها سنوياً 800 مليون يورو في وسائل النقل العامة، وتحتل لوكسمبورغ المركز الأول أوروبياً من حيث مستويات الإنفاق على الترامواي، والبالغ 500 يورو سنوياً للفرد الواحد، في مبلغ تستثمره السلطات في "أعمال توسيع للشبكة وتحسين نوعيتها"، بحسب باوش.
من جانبه، يشير الباحث جيلار إلى أن لوكسمبورغ "أكثر بلد أوروبي يستثمر في قطاع النقل"، مضيفاً أنّ الدولة أنجزت تقدماً كبيراً "بعدما كانت هذه الاستثمارات منخفضة جداً على مدى سنوات".
ورغم العزوف عن وسائل النقل العامة، فإن من يستخدمون النقل العام يشيدون بالتقدم المُحرز في هذا المجال، والذي يشمل تجديد المحطة المركزية، وإنشاء قطار جبلي مائل حديث جداً، بالإضافة إلى تحديث مسارات مخصصة للحافلات والترامواي.
أشادوا أيضاً بقرار جعل وسائل النقل العامة مجانية، في إجراء لم تعتمده من قبل أي دولة أوروبية، إذ لم يوفّر أي بلد من الاتحاد الأوروبي وسائل نقل مجانية على كامل أراضيه.
في هذا الصدد، يرى إدغار بيسينيوس، مدير إحدى الشركات الصغيرة المتخصصة في الخدمات المالية، أنّ مجانيّة وسائل النقل العامة "تسهّل على الفرد اتخاذ قراره لناحية الاختيار بين النقل العام وسيارته الخاصة، بالإضافة إلى ما يحمله هذا القرار من فوائد على البيئة".
أما الأستاذ الفرنسي، بن دراتويكي، فقال إنّ "النقل حق أساسي للسكان"، مضيفاً "إذا كان الأفراد يتمتعون بحق العمل، فمن حقّهم أيضاً التوجّه إلى عملهم من دون أن يتكبّدوا تكاليف باهظة".
يُشير دراتويكي، الذي يقطن العاصمة ويتنقل عبر دراجته الهوائية، إلى أنه يستقل القطار الجبلي المائل، ثم القطار للوصول إلى المدرسة الثانوية حيث يُدرّس، والواقعة على بعد 20 كيلومتراً إلى الشمال.
لا يزال الخيار الذي يعتمده الأستاذ غير شائع في لوكسمبورغ، وهو ما يؤكّده الزحام المستمر على الطرق الرئيسية خلال فترات الذروة.
بحسب الوكالة الفرنسية، فإن ما يميّز لوكسمبورغ أنّها تستقبل يومياً 220 ألف عامل من بلدان مختلفة، في رقم يشكّل نحو نصف إجمالي عدد الموظفين في مؤسساتها وشركاتها، ويأتي أغلب هؤلاء من فرنسا وبلجيكا، ولا ينطبق عليهم قرار النقل العام المجاني إلّا عندما يعبرون أراضي لوكسمبورغ، في قرار يثنيهم عن التخلي عن سياراتهم الخاصة.
أما الفرنسيون الـ120 ألفاً الذين يعملون في لوكسمبورغ، ويدفعون الضرائب لسلطاتها، فوافقت الحكومة على إعادة توزيع قسم من أموالهم من خلال تمويل مشاريع بنى تحتية كمواقف للسيارات في مناطق على الحدود الفرنسية.
يشير جيلار إلى مشكلة أخرى مرتبطة باقتصاد لوكسمبورغ، وتتمثّل في أنّ سوق العقارات مشبع، فيما تشهد تكاليف الإيجارات تزايداً، وهو ما يصعّب على العمال الآتين من بلدان أخرى الإقامة في لوكسمبورغ.