حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3375

الرقمنة والتغيرات الأخلاقية .. ماذا بعد؟؟

الرقمنة والتغيرات الأخلاقية .. ماذا بعد؟؟

الرقمنة والتغيرات الأخلاقية ..  ماذا بعد؟؟

30-03-2023 11:43 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور فارس محمد العمارات
من أهم التغيرات الأخلاقية في عصر الرقمنة، تنامي النزعة الاستهلاكية، فلم تعد وظيفة الهاتف، هي الاتصال أو التواصل، وإنما بات تُشكل "موضة" الموبايل تشغل الإنسان، وتغرقه في الاستهلاك من أجل الاستهلاك، حتى بات الفقر يعني فجوة التوقعات وليس العوز بل أصبح الإنسان مستغرقا في البحث عن الجديد الرقمي، وباتت نفسه لا تشبع أبدا، وتُشير الاحصاءات عام 2020 أن أكثر من 4.5 مليار شخص يستخدمون الانترنت، وأن 3.8 مليار شخص يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، أي أن ما يقرب من 60% من البشر اصبحوا "رقميون" ، كما أن غالبية سكان الأرض يمتلكون هاتفاً محمولاً. خاصة إذا أدركنا أن غالبية هؤلاء استبدل هاتفه الذكي، بآخر أحدث منه، وأن التكنولوجيا تحولت إلى أيديولوجيا، والاستهلاك اصبح من أهم مرتكزاتها، فكل شيء امسى قابلاً للاستهلاك، وهو ما يفرض خلق رغبات دائمة ومصطنعة لهذا الانسان المُستهلك، فزادت الشراهة في مجال الاستهلاك الرقمي الذي جعل الإنسان أسيرا للحظة الراهنة التي يُشاهدها، ويغوص في عالمها الافتراضي.
ومن هنا نجد أن الاستهلاك الرقمي بدل مفهوم السعادة والخلود بالنسبة للإنسان، فباتت سعادته تتحقق من الأعداد التي تتابعه على صفحات التواصل الاجتماعي، أم خلوده فأصبح مرتبطا بقدرته على التأثير والانتقال لحيز الشهرة الطاغية حتى وان كانت لا تصب في صالح البشرية او المجتمع ، وقد يكرم على فعلة ليست في مكانها ، ولعل هذا ما جعل بعض مشاهير الفضاء الرقمي أشبه بكائنات لا جذور لها، ولا اساس لها من المعرفة والثقافة والتعلُم ، وبذلك انتقلت السعادة والخلود إلى العالم الافتراضي الذي أصبحت له متطلباته الاستهلاكية في المجال الرقمي، في نوعية الهواتف الذكية، وسعتها التخزينية، وقدرتها على التواصل السريع مع الانترنت بجودة عالية، وصارت شهوة الاستهلاك الرقمي بئر لا قعر لها، ولا ترتوي أبدا، فالعطش دائم للاستهلاك الرقمي، واللهث خلفه بشكل غير مسبوق ومُثير .
ان هذا الانحراف نحو تحويل الحياة إلى الاستهلاك، وانعكاس ذلك على الأخلاق، فالاستهلاك الرفاهي خطير على الأخلاق، وأغلب الاستهلاك الرقمي، جعل باطن الإنسان يتآكل لصالح الشاشة، وإن الصراع من أجل الرفاهية لا يبدو أنه يقترب من نهايته؛ بل إنه يتزايد بنسب متضاعفة، فكل نقطة تقدم، تثير الشهية إلى نقطة تقدم أخرى أعلى منها، وهذا يدلل على اننا نكرس غالبية الوقت للبحث عن أسباب راحتنا، أكثر من الوقت الذي نستمتع فيه بالراحة. ولكثرة انهماكنا في هذا الإتجاه فإن ما كان مجرد وسيلة أصبح غاية حقيقية نجري وراءها. مما يجعلنا نقرر أن هذا الحرص الجامح على السعادة المادية يعتبر انحرافًا من الضمير في عصرنا الحاضر.
لقد أصبح الإنسان اليوم وغداً أسيرا للشاشة لا يستطيع أن يستغني عنها، فنشأت عبودية جديدة، لها أخلاقها التي ترسخها، فهذا "الأسر الرقمي" والانصياع للرقمية وما تحملة من احمال واتعاب ثقيلة لا طاقة للنفس البشرية بها وأيقظ الكثير من الشهوات في النفس، فيما اقترنت الفُرجة بالفرج، أي أن الصورة صرفت متعة الإنسان إلى المشاهدة وهذا ما رفع الطلب على المواقع الاباحية وبات الكثير ممن يمتلكون الهواتف الذكية، يرتادون تلك المواقع، أو تُفرض عليهم مشاهد بعض المقاطع غير الأخلاقية، وهو ما شجع المال الخبيث للاستثمار في الاباحيات، فضخ أكثر من مائة مليار دولار. ويلاحظ في مجال الأخلاق في العصر الرقمي، أنه مع الرقمية توارت عن الكثير من الناس ثقافة الستر، وأخلاقياته، فأصبح التعري أمام كاميرا المحمول أحد وسائل الدخل السريع والكبير، لكن الذي تخفيه تلك المكاسب، هو الحجم الضخم للمشاهدين، بعدما أصبح العري أموالا يجنيها هؤلاء الذين يهتكون الأستار، ويغيبون المعاني السامية للأخلاق، وان ظاهرة التكشف، لم تقتصر على الجسد فقط، ولكن توسع ليشمل التكشف النفسي، باعتباره الأخطر، إذ زالت قشرة التحضر عن الكثير من هؤلاء الرقميين، وبات الكثير لا يتحرج من نشر مقاطع مخُجلة لنفسه أو زوجته ، سواء بطريق الاتفاق أو حتى من خلال التلصص والتجسس، فخرج هذا الانسان من ظلمة الجهل الرقمي، إلى ظلمات الانحدار الأخلاقي.








طباعة
  • المشاهدات: 3375
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-03-2023 11:43 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم