04-04-2023 09:53 AM
سرايا - أظهرت دراسة جديدة أنّ “أساتذة الرسم القدامى” مثل ليوناردو دافنشي، وساندرو بوتيتشيلي، ورامبرانت، ربما استخدموا البروتينات، لا سيّما صفار البيض، في رسم لوحاتهم الزيتية.
ولطالما اكتُشفت كميات ضئيلة من بقايا البروتين في اللوحات الزيتية الكلاسيكية، رغم أن هذا الأمر كان يُعزى إلى التلوث.
غير أن دراسة جديدة نُشرت في مجلة “Nature Communications” الثلاثاء، وجدت أن تضمين (البروتين) كان مقصودًا على الأرجح، ويُلقي الضوء على المعرفة التقنية للرسامين القدامى، والرسامين الأوروبيين الأكثر مهارة في القرن السادس عشر، أو السابع عشر، أو أوائل القرن الثامن عشر، والطريقة التي أعدّوا بها ألوانهم.
وأوضحت مؤلفة الدراسة أوفيلي رانكيه من معهد هندسة العمليات الميكانيكية والميكانيك في معهد كارلسروه للتكنولوجيا بألمانيا، أنّه “يتواجد عدد قليل جدًا من المصادر المكتوبة حول هذا الموضوع، ولم يوضع أي عمل علمي من قبل للتحقيق في الموضوع بهذا العمق”.
وتابعت أنّ “نتائجنا تظهر أنه حتى مع وجود كمية ضئيلة جدًا من صفار البيض، يمكنك تحقيق تغييرًا مذهلًا في خصائص الطلاء الزيتي، ما يدل على مدى إمكانيته أن يكون مفيدًا جدًا للفنانين”.
واتّضح أن إضافة بعض صفار البيض إلى أعمالهم قد يكون له تأثيرات طويلة الأمد تتجاوز الجماليات فقط.
البيض مقابل الزيت
وفي حال المقارنة مع الوسيط الذي صاغه المصريون القدماء، المسمّى تمبرا، الذي يجمع بين صفار البيض والأصباغ المسحوقة والماء، يكوّن الطلاء الزيتي ألوانًا أكثر كثافة، ويسمح بانتقال سلس بين الألوان، ويجف بسرعة أقل بكثير، ما يسمح باستخدامه لأيام بعد تحضيره.
ورغم ذلك، فإن الطلاء الزيتي، الذي يستخدم زيت بذر الكتان أو زيت القرطم عوض الماء، تشوبه بعض العيوب أيضًا، ضمنًا أنه أكثر عرضة لأن تصبح ألوانه غامقة، ويتضرّر جرّاء التعرّض للضوء.
ولأن صناعة الطلاء كانت عملية حرفية وتجريبية، فمن الممكن أن يكون أسياد الرسم القدامى قد أضافوا صفار البيض، وهو مكوّن مألوف، إلى النوع الأحدث من الطلاء، الذي ظهر لأول مرة في القرن السابع بآسيا الوسطى، قبل أن ينتشر في شمال أوروبا بالعصور الوسطى، وإيطاليا خلال عصر النهضة.
وأعاد الباحثون في الدراسة، إنشاء عملية صنع الطلاء باستخدام أربعة مكونات هي: صفار البيض، والماء المقطر، وزيت بذر الكتان، والصبغة، بهدف خلط لونين شائعين تاريخيًا ومهمّين، هما الأبيض الرصاصي والأزرق اللازوردي.
وقالت رانكيه، إنّ “إضافة صفار البيض مفيدة لأنها تضبط خصائص هذه الألوان على نحو جذري، مثل إظهار التقدم بالعمر بشكل مختلف: يستغرق الطلاء وقتًا أطول للتأكسد بسبب مضادات الأكسدة الموجودة في صفار البيض”.
وتؤثر التفاعلات الكيميائية بين الزيت والصبغة وبروتينات صفار البيض بشكل مباشر على كيفية التعامل مع الطلاء ولُزُوجته. وشرحت رانكيه أنه “على سبيل المثال، تكون صبغة الرصاص البيضاء حساسة جدًا على الرطوبة، لكن إذا غطيتها بطبقة بروتينية، فإنها تجعلها أكثر مقاومة لها، ما يسهّل عملية وضع الطلاء”.
وأضافت أنه “من ناحية أخرى، إذا كنت ترغب بلون أكثر صلابة من دون الحاجة إلى إضافة الكثير من الصبغة، فمع إضافة القليل من صفار البيض، يمكنك إعداد طلاء عالي الجودة”، مستشهدة بتقنية رسم تعتمد وضع الطلاء بضربة سميكة بدرجة كافية بحيث تبقى ضربات الفرشاة مرئية. وكان استخدام القليل من الصبغة أمرًا مرغوبًا منذ قرون، عندما كانت أصباغ معينة، مثل اللازوردي، الذي كان يستخدم لصنع اللون الأزرق اللازوردي، أغلى من الذهب، بحسب رانكيه.
ويمكن رؤية دليل مباشر على تأثير صفار البيض في الطلاء الزيتي، أو الافتقار إليه، في لوحة “Madonna of the Carnation” لليوناردو دافنشي، وهي إحدى اللوحات التي خضعت للتدقيق أثناء الدراسة. ويُعرض العمل حاليًا في “Alte Pinakothek” بميونيخ في ألمانيا، ويظهر العمل تجاعيد واضحة على وجه ماري والطفل.
وأشارت رانكيه إلى أنّ “الطلاء الزيتي بدأ يجف من السطح نحو الأسفل، ولهذا السبب يتجعّد”.
وقد يكون أحد أسباب التجاعيد، عدم كفاية كمية الصبغات في الطلاء، وقد أظهرت الدراسة أنه يمكن تجنب هذا التأثير بإضافة صفار البيض. وعلّقت أنّ “هذا مذهل جدًا لأن لديك نفس كمية الصبغة في الطلاء، لكن وجود صفار البيض يغير كل شيء”.
وبسبب ظهور التجاعيد خلال أيام، يُحتمل أن يكون ليوناردو وغيره من أساتذة الرسم القدامى قد استوعبوا هذا التأثير الخاص، بالإضافة إلى الخصائص المفيدة الإضافية لصفار البيض على الطلاء الزيتي، ضمنًا مقاومة الرطوبة. وتعتبر “مادونا أوف كارنيشن” إحدى أقدم لوحات ليوناردو، التي رسمها ربما في وقت كان لا يزال يحاول إتقان الوسيلة الشعبية الحديثة للطلاء الزيتي.
فهم جديد للوحات الكلاسيكية
وخضعت لوحة أخرى للتدقيق خلال الدراسة وهي: “الرثاء على المسيح الميت” لبوتيتشيلي، التي تُعرض أيضًا في “Alte Pinakothek”. واستخدمت تقنية تمبرا في الغالب بهذه اللوحة، لكن استُخدم أيضَا الطلاء الزيتي للخلفية وبعض العناصر الثانوية.
ولفتت رانكيه إلى “أنّنا علمنا أن بعض أجزاء اللوحات تظهر ضربات فرشاة نموذجية لما نسميه لوحة زيتية، ومع ذلك اكتشفنا وجود بروتينات”. وتابعت: “بما أن الكمية المستخدمة صغيرة جدًا ويصعب اكتشافها، فقد تم استبعادها على اعتبارها تلوثًا: في ورش العمل، استخدم الفنانون العديد من العناصر المختلفة، وربما كان البيض من تمبرا فقط”.
ورغم ذلك، نظرًا لأن إضافة صفار البيض كان لها مثل هذه التأثيرات المرغوبة على الطلاء الزيتي، فقد يكون وجود البروتينات في اللوحة مؤشراً على الاستخدام المتعمّد له، كما توصلت الدراسة. وتأمل رانكيه أن تجذب هذه النتائج الأولية المزيد من الفضول تجاه هذا الموضوع الذي لم ينل قسطه من الدراسة.
ووافقت ماريا بيرلا كولومبيني، أستاذة الكيمياء التحليلية في جامعة بيزا بإيطاليا، غير المشاركة في الدراسة، على ذلك. وقالت: “تقدم هذه الورقة المثيرة سيناريو جديد لفهم تقنيات الرسم القديمة”.
وتابعت: كما “تساهم هذه المعرفة الجديدة ليس فقط بفهم كيفية حفظ الأعمال الفنية والحفاظ عليها بشكل أفضل، لكن أيضًا بفهم أفضل لتاريخ الفن”. (سي إن إن)
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-04-2023 09:53 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |