06-04-2023 09:28 AM
سرايا - ضمن إصدارات “إربد العاصمة العربية للثقافة 2022″، صدر عن وزارة الثقافة دراسة بعنوان “الجغرافيا التاريخية لجنوب بلاد الشام وأثرها على الصراع الأيوبي- الفرنجي” للمؤلفة الأردنية مريم ملهي النويران.
تقول النويران، إنها سعت في هذا الكتاب لتوضح الأثر الجغرافي لدراسة المكان في توضيح معالم تلك الحقبة التاريخية، ومن هنا فإن هناك مجموعة من الأهداف مثل فهم واقع الحياة ومعالم المنطقة في تلك الفترة المضطربة وتوضيح كيفية توظيف عناصر الطبيعة المحيطة على مجريات الصراع المستمر، والمقارنة بين الإمكانيات والإجراءات وأساليب السيطرة عند كل من الفرنجة والأيوبيين، وبيان الأثر لهذه المعالم الجغرافية على النتيجة النهائية لهذا الصراع وأسباب تراجع كفة طرف على حساب الطرف الآخر.
وترى أن الأهمية في بيان المهارات الحربية والعسكرية والإدارية التنظيمية تكمن في استخدام “الموقع”، لقوتين اعتبرتا الأبرز في بلاد الشام في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي، ومن أبرز القوى التي شهدتها العصور الوسطى قاطبة، حيث تبرز الندية الواضحة والقوة في كلا الطرفين الأيوبين والفرنجي، لذلك فإن هذه المنطقة التي نعيش فيها كانت في يوم من الأيام حلبة للصراع الدائر بين هذه القوى، لذلك وجب دراسة الموقع بشكل مفصل، وفق المؤلفة.
في مقدمتها للكتاب، تقول النويران، إن الهدف من هذه الدراسة هو توضيح معالم الجغرافيا التاريخية لجنوب بلاد الشام في فترة مهمة من تاريخ المنطقة، إذ يمكن تصنيف القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي بأنه قرن عسكري بامتياز تضمن في ثناياه الكثير من الصراعات والتحولات في موازين القوى، ولا يخفى على المتتبع لتاريخ هذه المنطقة حجم الصراعات بين القوى الإسلامي التي هيأت لقدوم الحملات الفرنجية في نهاية القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي.
وعن سبب اختيار هذه المنطقة وفي هذه الفترة بالذات كموضوع للدراسة، تشير النويران إلى أن منطقة بلاد الشام شهدت تحولات في الحدود السياسية بشكل كبير، إذ لم يكن موجودا في المنطقة حتى نهاية القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي سوى القوى الإسلامية المتنازعة، ولكن في نهاية القرن وعلى غفلة من العالم الإسلامي ظهرت أربع ممالك فرنجية جديدة سيطرت على السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط وغيرت خريطة الحدود السياسية بشكل جذري في بلاد الشام.
وتضيف المؤلفة “كانت بلاد الشام قبيل قدم الحملات الفرنجية منطقة صراع ملتهب بين الدويلات الإسلامية، على رأسها أكبر قوتين هما السلاجقة في دمشق والفاطميون في القاهرة، وأدى هذا الصراع إلى تحول دائم ومستمر في النسيج الاجتماعي، كما أدى إلى إعادة توزيع الثقل السكاني أكثر من مرة بسبب التهجير المتكرر لأهالي المناطق التي تشهد نزاعا دائما، ومع قدوم الحملة الفرنجية الأولى استمرت عمليات القتل والتهجير جنوب بلاد الشام مما أدى إلى تغيير ملامح الجغرافيا السكانية”.
وقد حصل في المنطقة ولفترة طويلة من الزمن، بحسب النويران، تغيير في جغرافيا السكان، ما أدى إلى تغيير في السمات المجتمعية من حيث الديانات واللغات وتطور الحرف وظهور أنظمة زراعية جديدة مرتبطة بتطور النظام الإقطاعي سواء الفرنجي أو الأيوبي، كما أن التجارة تأثرت في فترات الصراع فكانت على اتجاهين.
وتضيف النويران “أدخل الأيوبيون على أجزاء من جنوب بلاد الشام نظامهم الإقطاعي الذي كان سائدا في كل من مصر وبلاد الشام، ويلاحظ أن هذا القرن شهد جملة من التطورات في نظام المنشآت الحربية كالقلاع والحصون والجسور، فإذ ما تم مقارنة وضع المنشآت قبل وبعد الحملات الفرنجية نجد أن النسبة الكبرى من قلاع جنوب بلاد الشام أنشئت في هذا القرن بالتحديد”.
وتري المؤلفة؛ لكثرة التشعبات والمواضع التي تحملها الجغرافيا التاريخية في ثناياها، فقد بذلت قصارى جهدها في بيان أهمية الجغرافيا في رسم ملامح الأحداث التاريخية وبيان مدى تأثيرها في إخراج المشهد النهائي لتلك الحقبة من خلال دراسة الجغرافيا الطبيعية للمنطقة، ثم الانتقال لمناقشة الجغرافيا السياسية والسكانية الداخلية في كل من مملكة بيت المقدس والدولة الأيوبية، ثم دراسة الجغرافيا العسكرية لجنوب بلاد الشام بشكل يشمل تحركات كل من طرفي الصراع، وأبرز إجراءاتهم الحربية والمقارنة بينها.
وتوضح النويران، أن الكتاب يقوم على المقارنة بين قوتين من أبزر القوى في تلك الحقبة، كان من الصعب الإحاطة الوافية بالتفاصيل كافة، إذ إن بعض المواضيع جاءت مقتضبة لم يتم التوسع بها بالشكل المطلوب، مبينة أن الكتاب قسم إلى أربعة فصول رئيسية؛ حيث حمل الفصل الأول عنوان “الجغرافيا الطبيعية لجنوب بلاد الشام في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي”، ويناقش هذا الفصل الجغرافيا الطبيعية في جنوب بلاد الشام والتي تم تقسيمها إلى ثلاثة أقسام هي “السواحل والجبال والمناطق شبه الصحراوية الداخلية”، وبسبب طبيعة التوسع السكاني في السواحل والجبال جاء الحديث عنهما بشكل مستفيض أكثر من المناطق شبه الصحراوية.
بينما يتناول الفصل الثاني وهو بعنوان “الجغرافيا السياسية والبشرية لمملكة بيت المقدس”، تفاصيل الحياة الداخلية لمملكة بيت المقدس على مدار وجودها في الشرق، وتم من خلاله تتبع الحياة اليومية، كمناقشة الجغرافيا السياسية التي تقوم على دراسة نظام الحكم والإدارة، ثم مناقشة الهيكل العسكري للمملكة، وملامح الجغرافيا السكانية والتي تناولت الديانة واللغات وطبقات المجتمع، والحياة الاقتصادية التي تناولت الحياة التجارية والصناعية والزراعية وظاهرة الحج الديني المسيحي داخل المملكة.
وتحت عنوان “الجغرافيا السياسية والبشرية للدولة الأيوبية”، جاء الفصل الثالث، وهو مطابقة في التقسيم للفصل الثاني مع تغيير المعطيات التي درست الدولة الأيوبية من الداخل من حيث الجغرافيا السياسية والإدارية، ثم دراسة الهيكل العسكري المرتكز على الإقطاعات والتقسيمات الجغرافية لها، ثم الانتقال إلى الجغرافيا الاقتصادية من خلال مناقشة التجارة والصناعة والزراعة لدى الأيوبيين.
أما الفصل الرابع والأخير، فهو بعنوان “الجغرافيا العسكرية في جنوب بلاد الشام في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي”، ويتناول طبيعة العلاقات الأيوبية-الفرنجية في حالات السلم، قبل الانتقال للمقارنة بين الحالة الحربية لكل من الأيوبيين والفرنجة من حيث التحصينات الدفاعية والإعداد الحربي ودراسة المعارك بينهما، مع بيان النتائج النهائية والشكل الذي انتهى به وجنود مملكة بيت المقدس اللاتينية في جنوب بلاد الشام بعد معركة حطين.
وفي خاتمة هذه الدراسة، تبين النويران أنها خلصت إلى مجموعة من النتائج منها أن هذه الفترة التاريخية، كانت تعاني من مجموعة ثغرات في الدراسات الحديثة، إذ يوجد العديد من الجوانب تعاني من فقر المادة التاريخية سواء في تاريخ مملكة بيت المقدس اللاتينية، أو في الدول المحيطة في مصر وبلاد الشام من الفاطميين والسلاجقة والزنكيين والأيوبيين، وجاء النقص في العثور على الدراسات الحديثة في الأمور المتعلقة في الدور السياسي للبحارة الإيطاليين في العلاقات الفرنجية-الفاطمية، وعدم وجود دراسات عن الحدود الشرقية لمملكة بيت المقدس، والتوزيع السكاني فيها في تلك الحقبة، كما أن هناك نقصا شديدا في مادة السفارات والمعاهدات العلاقات السياسية، حيث كانت أغلب الدراسات مقتصرة على فترة معينة أو تاريخ ملك أن سلطان معين دون التطرق إلى التاريخ الشامل لتك الفترة.
ويذكر أن مريم ملهي النويران؛ حاصلة على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة آل البيت، ودرجة الماجستير في “التاريخ الإسلامي الوسيط”، من جامعة آل البيت.