09-04-2023 09:43 AM
بقلم : المهندس خالد بدوان السماعنة
كثيرا ما نسمع عبارة " زمن الرويبضة" .. "فلان رويبضة " .. الخ
وأصل العبارة قد جاء من حديث نبوي شريف رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (سيأتي على الناس سنوات خدّاعات ، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضه. ، قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ .. قال : "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة").
هل ثمة وصف أبلغ من هذا الوصف النبوي لمجتمع بأكمله أقل مايمكن أن يقال فيه: مجتمع انقلبت فيه الموازين .
الكاذب مصدق! ..
والخائن مؤتمن! ..
والصادق مكذب! ..
والأمين مخون!.
وهذا دليل واقعي على علو السفلة وإقصاء الأفاضل والأخيار، لتصبح الكلمة في هكذا مجتمع لجهلة الناس وأسافلهم والتفه منهم دون علمائهم وأفاضلهم وخيارهم.
والحديث لا يتكلم يقصد الزمان بكونه خداع ! بل يصف حال أهل ذلك الزمان ! فهم أهل خديعة وحيلة عياذا بالله تعالى من أهل المكر والخديعة.
ولولا أنهم كذلك ما كان للفاسق والتافه أن تكون له كلمة بينهم ..
ولكن حين يعم الفساد يسود الفاسد .. وحين يصبح الفسق ظاهرة يعلو الفاسق ويسود .. وإذا ما باتت التفاهة شعار مجتمع علا التافهون وباتت لهم كلمة وأتباع.
وقد جاءت أحاديث أخرى تصف هذا المجتمع أو هذا الزمان .. فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ قالَوا: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ).
فأول ما يفقد الناس من هذا الدين هو الأمانة! .. بمفهومها الشامل العام لا بالمفهوم الضيق الذي تم حصره في حفظ الوديعة !!.
تضيع الأمانة في الوظيفة .. وتضيع الأمانة في المجالس .. فلا يؤدى العمل كما يجب أن يؤدى .. يأخذ الموظف ماله وراتبه دون أن يقدم ما يجب عليه من وقت، ولا تحفظ أسرار العمل التي يجب أن تبقى خفية .. إلى غير ذلك من ضروب الخيانة التي تصبح شعارا في هكذا زمان ومجتمع.
والداهية في هكذا مجتمع أن غالب أفراده لم يضيعوا الأمانة والصدق فحسب .. بل انقلبوا عل كل أمين وصادق .. فاتهموهم بالخيانة والكذب.
وهذا دليل سوء ظن يغزو هذا المجتمع .. ولا غرابة فالفاسد بين فاسدين كثير لا يتخيل وجود الطهارة .. كمن ينظر إلى تل من الثياب المتسخة فإنه لا يخطر بباله وجود ثوب نظيف بينها.
وكما قيل: ودت الزانية لو أن نساء الدنيا يزنين مثلها.
قل لي بالله عليك .. هكذا مجتمع من ذا الذي سيكون مؤثرا فيه؟
فلما تلوم خسيس القوم حين يتصدر قومه؟! فلولا أن الخسة فيهم باتت ظاهرة لما تقدمهم الخسيس وعلا فيهم قدمه!
حين تعلو عقيرة الرويبضة التافه الخسيس الفاسق بين الناس فهذا دليل خطر عظيم دق ناقوسه ! .. وفي الغالب تكون موازين الناس مقلوبة .. والمقلوب المنتكس في فطرته لا تنتظر منه خيرا.
خنافسُ الأرض تجـري في أعِنَّتِها ..
وسـابحُ الخيل مربوطٌ إلى الوتـدِ
وأكرمُ الأُسْدِ محبـوسٌ ومُضطهدٌ ..
وأحقرُ الدودِ يسعى غير مضطهـدِ
وأتفهُ الناس يقضي في مصالحهمْ ..
حكمَ الرويبضـةِ المذكورِ في السنَدِ
فكم شجاعٍ أضـاع الناسُ هيبتَهُ ..
وكمْ جبانٍ مُهـابٍ هيبـةَ الأسَدِ
وكم فصيحٍ أمات الجهلُ حُجَّتَهُ ..
وكم صفيقٍ لهُ الأسـماعُ في رَغَدِ
وكم كريمٍ غدا في غير موضعـهِ ..
وكم وضيعٍ غدا في أرفعِ الجُــدَد.
دار الزمان على الإنسان و انقلبت .. كل الموازين و اختلت بمستند
النكره طوال عمره في عالم العلم والفهم فجأة يصبح معرفه ..
والجاهل القصي تصبح له كلمة ..
ومن كان لا يؤبه به يصرف له من الألقاب ما الله به عليم.
مع أن العقل يقضي بأن لا يتكلم إلا العالم الحكيم ..فأي خير يرتجى من تافه يتصدر الناس ليسمعهم طرحه ..!! فهو في واقع الحال سينزل بهم إلى مستوى طرحه هو !
ومما يزيد المشكلة عمقاً ومساحة أن يكون هذا وأمثاله ممن يتناول أمور الجماهير فيساهم في تضليل الرأي العام. فالقضايا العامة هذه من شأن ذوي الحِجَى وذوي العقول، وذوي المدارك والآراء السديدة وأهل البصائر.
لقد هاجَت الدنيا وماجَت ، ولم تعد ساكِنة كما كانت ، ففي الماضي القريب لا نكاد نسمع إلا العقلاء والفطناء والحكماء هم الذين يرسمون لنا الطريق ، أما الآن فقد تكلم الرويبضة فأضاع وأفسد، فلا نعلم له اتجاهاً ولا ديناً، يشعل النيران و يعبث في الخفاء، يسير خلف السطحيات ويترك الأولويات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأعلم أخي القاريء أن هكذا زمان وهكذا حال هو مقدمة وتهيئة لخروج الأعور الدجال .. فهو لن يخرج إلا في مجتمعات قل فيها العلم والصدق والأمانة، وصارت الغلبة فيها لأهل الفسق والفساد وانحراف الفطر .. فهم أتباعه وأنصاره .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-04-2023 09:43 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |