11-04-2023 12:31 PM
بقلم : د.نشأت العزب
حتم علي عملي و دراستي التنقل و السفر بين العديد من الدول الأوروبية و غيرها و كأي شخص ولد في مجتمع شرقي يعد عالما ثالثاً، كان يدور في عقلي العديد من التساؤلات عن سبب كون بلادنا العربية عالماً ثالثاً و هناك حيث كنت تعد عالماً أولاً أو متقدماً، و للحصول على حقيقة أمر ما فكان لابد من التفكير بحيادية بعيدة عن أي عواطف أو تحيزات مستنداً بذلك الى معرفة و خبرة في اساسيات علم النفس السلوكي و الأعصاب، فقمت بمقارنة الظروف التي جعلت من العديد من دول أوروبا عالماً أولاً و من العالم العربي ثالثاً على اكثر تقدير!
بلادنا زاخرة بالمتعلمين من أعلى مستوى و من حملة افضل و أعلى الشهادات و من أعرق الجامعات، أما الجانب الحكومي و الرسمي فالفرق نسبي و يكاد يكون غير موجود، بحثت عن هذا الموضوع من كل الجوانب محاولاً إيجاد إجابه مقنعة و صحيحة لعلي أستطيع ترجمة رغبتي و رغبة الكثير من الأشخاص مثلي من مسؤولين و أفراد مجتمع و مؤسسات بالإسهام في مسيرة هذا البلد و العمل برؤية جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم للإسهام بأن نكون جزء فاعلاً في نهضة الإنسانية و في طليعة الأمم عالميا و في مختلف المجالات.
عند البحث عن أي مشكلة فمن الضروري البحث عن أصل المشكلة و القدرة على تمييز أصل المشكلة من الأمور التي تولدت عن أصلها فجعلتها تبدو معقدة و غير قابلة للحل، ففي الطب نقول أن "التشخيص السليم هو نصف العلاج".
إن مشكلتنا في عالمنا العربي هي في نفس المجتمع العربي و اساسها في العائلة العربية، فالمشكلة الحقيقة و الأولية هي في صلب العائلة العربية و طبيعة تركيبتها و في الامور و العوامل التي جعلتها تصل لهذا التركيب و هذه الطريقة من التعامل مع الامور و فهمها، فلفهم حقيقة مجتمع فمن المهم و الضروري محاولة تحليل سلوك المجتمع المتمثل بوعيه و حالة اللاوعي الفردي و الذي يصبح في المحصلة مجتمعي و هو ما لا يدركه المجتمع عن ما تكون و تراكم بداخله نتيجة كل ما مر به و اعتاده عبر الأجيال و أصبح جزء من تركيبته الجينية و العقلية !
إن الطبيعة العربية و طبيعة المناخ العربي و الطريقة القبلية في العيش و صغر المجتمعات و انغلاقها عن العالم الأخر و المختلف و ذلك لإحاطة الصحراء الشاسعة بها من كل النواحي كانت بمثابة نقطة تنمو منها فكرة "الرأي الأوحد" ففي صحراء مترامية الأطراف لا يوجد كائن بشري أخر سوى ذلك العربي و عبر التاريخ و العصور جعل هذا فكرة التملك و التفرد تترسخ في نفس و عقل هذا الإنسان، فنشأ في لاوعيه متلازمة أسميها "متلازمة الفردية" أو ممكن أن أطلق عليها "متلازمة البطولة الواهمه" فالشخص الذي أعتاد على أن يكون منفرداً بكل شيء هو حتما ذلك الشخص الذي في لا وعيه يشعر بأحقية البطولة له وحدة! هكذا بدأت هذه المشاعر تتطور بداخل الانسان العربي الأول و تطورت من جيل لٱخر و عبر التربية و السلوك إلى ما نحن عليه، و الآن يمكن لأي شخص عمل في دول غربية أو لديه أصدقاء و من مختلف الشعوب و الحضارات و الأديان أن يعرف و من دون تفكير أن الانسان العربي ينقصه دائما اثبات نفسه بالطريقة التي يرغب أن يراه الاخرين بها و التي تختلف عن حقيقته و عن الواقع، و هي أن يكون بطلا و في المركز الاول فقط، فلا يستطيع ان يشعر بالراحة التامة و القدرة على العطاء الا اذا نظر الجميع إليه كبطل و مثال، فلا يوجد شعوب تحب الأضواء و الشهرة كالشعوب العربية، قد يبدو الأمر بديهياً لكن فالحيقية لا، فالبديهي هو ما اعتدناه و عجزنا عن فهمه، فبسبب تلك المتلازمات النفسية التي ذكرت- المقال لا يتسع لذكر تحليل اكثر تفصيلا - والتي من المؤكد لا تنطبق على الجميع , أصبحت فكرة العمل الجماعي أمر لا معنى له و لا يقدم أي نتائج حقيقة و ملموسة و مثال على ذلك الرياضة الجماعية العربية، الأبحاث و الانتاج العلمي و الثقافي، العمل الإقتصادي و غيرها الكثير.
أن رغبة الفرد العربي و ترسخ فكرة "أنا" جعلت من النجاح و التقدم و الذي يتطلب عملا جماعيا أمر مستحيلاً الا في حالات استثنائية تكاد تكون نادرة، في المقابل أن عدم القدرة على إظهار الذات الفردية مقابل حاجه اللاوعي الملحة لإظهارها تجعل هذا الفرد يعيش في متلازمة أسميها متلازمة "الضعف" أو "العجز" و هذه حالة من حالات تجمع الغضب و الشعور بالأحقية على حساب كل شيء يعتقد أنه كان سبب في كبحها، فتطور بداخلها حالة من الرفض، الشك و النقد الهدام في كل شيء ناجح حوله، فالرغبة بإظهار الاسم و الأضواء هي حالة غذاء للنفس المضطربة، تماماً كما الطعام للجسد، حالة اللاوعي هنا تبدو كالكهف الذي يعيشه الفرد عامة و المجتمع خاصة، فيبدأ بمحاولة التنمر و القاء اللوم على الاخرين و تثبيط و إفشال أي نجاح هو ليس طرف فيه .
أن نتائج هذه الحالة تجعل الشعوب تهتم للأمور الظاهرية و الأمجاد التاريخية التي انتهت و عفا عنها الزمن، فحتى دينيا تجد أن تلك الشعوب تتحدث عن الدين كثيرأ و تحب أن تبدو على أنها شعوب متدينه لتحاول احتكار الاخرة بذلك لنفسهاا! لكنها في الحقيقة ليست كذلك بل بعيدة جدا عن ذلك !!
و بعيدا عن النجاح و التقدم! إن خطورة هذه الحالة تكمن في أن مشاعرها عبارة عن خيوط غيتار و بالمحصلة سلوكها، فلا يوجد شعوب تتحدث عن السياسية و الدين في كل مكان أكثر من الشعوب العربية وفي الحقيقة أن أخر شيء تحتاجه هذه الشعوب هو الإصلاحات السياسية لانها لا تعي حجم ضيق الوعي الفكري لديها و ممارستها لقياس أي فكرة بناء على اسس انتهت و لم تعد موجودة.
نحن بحاجة ماسة اليوم لمشروع وطني لا يعنى بالسياسة و لا بالاقتصاد و لا حتى بأي مرجع عقائدي أو اصولي و إنما يعنى فقط بالعناية بالعائلة و الطفل و تنميه الوعي السليم فيهما، الوعي الذي يحترم الاختلاف و يعزز التواضع و يحفز على العمل الجماعي و الوحدة، الوعي الذي يسمح بتقبل الجميع بغض النظر عن الدين و العرق و الهوية، نحن بحاجة لتعزيز قيم الانسانية السليمة داخل مجتمعنا ، تلك القيم التي تنبذ العدوان و التشدد و التزمت بالفكر و احتكار الحقيقة ، فكلنا في هذه الحياة باحثون عن الحقيقة و المعرفة في بحر لا ينتهي فكلما سمح لنا عقلنا بالتعرف على شيء جديد أدركنا حجم جهلنا و حاجتنا للمزيد من العلم و المعرفة .
أننا نعيش في عالم متسارع بأحداثه و معرفته بشكل يكاد لا يصدق ، فمن الضروري العمل على بناء كيان عائلي مجتمعي نفسي سليم، مدركاً لواقعه الحقيقي و ما يحتاجه و عاملاً على تحسين و تحويل تلك السلبيات لتكون ايجابيات تمكننا من مواكبة ما تقدمه الحكومات بناء على رؤية جلالة الملك المعظم و ولي عهده الأمين من برامج و اعمال لنكون يوما ما في مصاف الأمم .
إن الأزمات الإقتصادية العالمية القادمة ستكون بمثابة اعصار عالمي في مختلف المجالات و خصوصا اقتصاديا و ذلك لأن الاقتصاد هو شريان الحياة، ففي كل شخص و مجتمع جوانب ايجابيه و أخرى عكسها و من واجبنا جميعا إيجاد برامج وطنية تحاول إيجاد و التركيز على الجوانب الإيجابية و تطويرها و محاولة معالجة أساس كل شيء غير ايجابي، فأول خطوة في الإتجاه الصحيح هو معرفة المشكلات و تقبلها و من ثم البدء في حلها و بالتزامن؛ من الضروري البدء في إعادة تقييم للوضع المجتمعي لبلادنا و محاولة البدء في إيجاد حلول ملموسة للمشكلات التي تمس أكبر شرائح ممكنه من المواطنين فهنالك دائما حلول بسيطة يمكنها صنع فارق كبير تجعل من الجميع السد المنيع الحقيقي في وجه كل الصعوبات الإقتصادية العالمية القادمة .
أن عملية دعم هذه البرامج الوطنية لا يجب أن تقع على عاتق الحكومات فحسب، بل أنه لمن الواجب و الضروري مساهمه شركات القطاع الخاص و بالتنسيق مع الحكومات فهذا جزء صغير من سداد المعروف لدولة و قيادة قدمت لهم كل السبل للنمو و التطور و جميعنا يعلم جيدا انه لا يوجد دولة أخرى ستقدم لهم المناخ التجاري و الاستثماري كالذي وجد و يوجد في مملكتنا الحبيبة!
هنالك دائماً العديد من الحلول و الوسائل التي يمكن استخدامها استباقيا لأي حدث اقتصادي كبير او غيره محتمل أو ربما شبه حتمي.
حفظ الله أردن الهاشميين و حفظ قيادتنا الحكيمة .
بقلم: نشأت العزب
azabnashatco@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-04-2023 12:31 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |