12-04-2023 11:20 AM
بقلم : د. محمد أبو حمور
يهيمن الدولار منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية على معاملات التجارة الدولية ويحتل المرتبة الاولى كعملة احتياطية عالمية، وبه يتم تسعير العديد من المواد الاولية وخاصة النفط، وبالرغم من الازمات التي تعرض لها خلال السنوات الماضية الا أنه استمر في لعب دور العملة المحورية الاولى ما يشير الى نفوذ الولايات المتحدة وقوة اقتصادها وسيطرتها على المؤسسات المالية الدولية، واليوم هناك العديد من الاصوات والاراء التي تنذر بانهيار الدولار وفقدان مكانته المميزة ومزاياه المتعددة، واخرها كان تصريح الرئيس السابق للولايات المتحد? دونالد ترامب «عملتنا تنهار وقريبا لن يكون الدولار هو العملة العالمية، إنها هزيمة غير مسبوقة في 200 عام، وهذا سيبعدنا عن مكانتنا كقوة عظمى».
والتساؤل المطروح حالياً حول مستقبل الدولار والذي يرتبط بالعديد من التطورات التي يشهدها العالم وعلى رأسها بروز الصين كقوة اقتصادية على المستوى العالمي ودورها المستقبلي عبر علاقاتها المتنامية مع العديد من دول العالم، وفي نفس الاطار نلاحظ تراجع الثقة بالسياسات الامريكية وخاصة أثر قيامها بفرض العقوبات على بعض الدول، حيث يعمل الدولار كرأس حربة وأداة اساسية للعقوبات، وبدا واضحاً الاثر الاقتصادي المترتب على فرض العقوبات في أعقاب الحرب الروسية الاوكرانية والذي لم يشمل الدولة المستهدفة فقط وانما امتد ليشمل العديد م? دول العالم الاخرى، ومن هنا نستطيع أن نفهم سعي دول وازنة في الاقتصاد العالمي مثل مجموعة بريكس لبحث خيارات بديلة للعملة الامريكية وما لاحظناه مؤخراً من انفتاح دول الخليج العربي على بيع النفط والغاز بعملات اخرى وخاصة اليوان الصيني، كما أن معظم البنوك المركزية حول العالم باتت أكثر ميلاً لتنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية.
وفي ذات السياق لا نستبعد أيضاً الاوضاع الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة الامريكية مثل افلاس بعض البنوك والارتفاع المضطرد في العجز التجاري وتصاعد نسبة الدين العام والتضخم الجامح، ونستطيع القول اننا أمام تداعيات اقتصادية وجيوسياسية ليست وليدة اللحظة وانما نتاج سنوات من التطورات العالمية المختلفة، ولعل أبرز ما تمخضت عنه هذه التطورات هو انخفاض الاحتياطيات الدولية من الدولار خلال القرن الحالي الى حوالي 59% بعد ان كانت تشكل في بدايته 71%، ومؤخراً كان هناك عدد من الامثلة لبدء بعض الدول اعتماد عملات بديلة ا? عملاتها المحلية في التبادلات التجارية، وقيام بعض الدول باعتماد انظمة تسويات بديلة لنظام سويفت.
ولكن الى أي مدى يمكن أن تؤثر التطورات الحالية على مستقبل الدولار وهل يمكن أن تشكل بداية لانهياره، من المؤكد ان الحديث عن انهيار الدولار لا يستند الى معطيات صلبة، فالصين مثلاً وبالرغم من رغبتها في الخروج من قيود الدولار مهتمة أيضاً بالحفاظ على علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، كما أنها حريصة ايضاً على الحفاظ على استثماراتها في أذونات وسندات الخزينة الامريكية ويشاركها هذا الحرص الدول الخليجية والعديد من الصناديق السيادية العالمية، وهناك الكثير من المصالح المرتبطة باستقرار الدولار، كما أنه لا يتوفر حتى ا?ان عملة يمكن أن تشكل بديلاً للدولار، ويحتاج ايجاد مثل هذه العملة الى وقت طويل ناهيك عن المتطلبات الاخرى والتي قد لا تكون متوفرة في المدى المنظور، أما الانتقال الى نظام عالمي متعدد العملات فلن يكون سهلاً.
يتلخص القول في أن الحديث عن انهيار الدولار أو انتهاء هيمنته غير متوقع في ظل المعطيات الحالية، الا أن المجال متاح لبروز عملات أخرى تنافس الدولار وتقلل من حجم هيمنته، كما أن التطورات التكنولوجية واللجوء الى اصدار العملات الرقمية سيساهم في تقليص هيمنة الدولار، الا أن العامل الحاسم يتمثل في السياسات المستقبلية للادارة الامريكية وقدرتها على انتهاج سياسات تعزز الثقة بالعملة الامريكية بما في ذلك سياسات تقلص الاعتماد المفرط على العقوبات الاقتصادية واخرى تعمل على تحسين اداء الاقتصاد الامريكي وتساعده في التغلب على ا?مصاعب التي يعاني منها.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-04-2023 11:20 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |