27-04-2023 11:35 AM
بقلم : عماد صقر النعانعة
تُعد منطقة الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم التي تنهكها النزاعات منذ عقود. ويُعد النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من أقدمها وأعقدها، لاسيما الجانب المتعلق منه بمطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
يعتبر الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم توتراً، حيث شهد أكثر من 10 حروب وأزمات خلال العقود السبعة الماضية، وتعد الحرب بين العراق وإيران وحرب الخليج الثانية والأزمة السورية من أكثرها دموية. والشرق الأوسط هو مهد الحضارات الإنسانية القديمة ومُا يعرف بالديانات السماوية الثلاث.
لا ينفك الوضع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية يتدهور في ظل انعدام أفق للمفاوضات، وتخيّم الأخطار المتنامية، وخصوصا استمرار الاستيطان، على حل الدولتين، بالإضافة إلى المشاكل الأمنية التي تتعرّض لها شعوب المنطقة. ولم تخفّف الأزمات التي تشعل الشرقين الأدنى والأوسط (سورية والعراق واليمن على سبيل المثال) من أهمية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومن وقعه الرمزي.
مشهد «الشرق الأوسط الجديد» يبدو خارجاً من رحم صراعات كبرى ومناخ عالمي بالغ التعقيد والانقسام؛ ولكنه في ذاته يفرض المصالح المباشرة لدول الإقليم للاعتماد على الدول الراغبة ولديها الإرادة السياسية للتعاون من خلال عمليات سياسية ودبلوماسية لا تزال في مراحلها الاستكشافية الأولى. هذه العملية كسرت كثيراً من حلقات المقاطعة والرفض والحملات الإعلامية الساخنة؛ ولكنها في ذات الوقت معرضة للرياح الساخنة في داخل كل دولة والتي بعد التعود على مناخ الصراع ترى في الخروج منه نوعاً من الليونة والتنازل غير المقبول. وهي معرضة أيضا لقوى معارضة صريحة يقع في مقدمتها جماعات الإسلام السياسي التي بلغ تطرفها مبلغاً يقوم على تكفير كل نظم الحكم القائمة والتي على استعداد لنفخ النيران في أزمات وعقد تاريخية في مقدمتها القضية الفلسطينية بغض النظر عن مدى الجاهزية السياسية للنخبة الفلسطينية للتعامل مع واقع صعب ومتغير. وفي النهاية فإن الحكم على عملية استكشافية لا تزال في بداياتها الأولى تحتاج الكثير من إرادة البحث والاستقصاء للانتقال منها إلى ما هو أعلى وأرقى،
إضافة «الجديد» إلى اسم الإقليم تكررت إعلامياً وأكاديمياً عبر العقود المختلفة، وفي أعقاب أحداث كبرى، ولكن أكثرها شهرة هو ما وضعه شيمون بيريز على كتاب له بعنوان «الشرق الأوسط الجديد» إبان ازدهار «عملية السلام» بشقيها من المفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية، والمفاوضات متعددة الأطراف، حيث جرى التبشير بالنموذج الأوروبي في التكامل لكي يحتذى من أطراف الصراع في الشرق الأوسط. ولم يمض وقت طويل على نهاية القرن العشرين حتى غرق الإقليم في دوامات الأصولية الإسلامية، ونوبات «الربيع العربي» وما تلاهما من اضطراب وخلل وحروب أهلية. والآن كتب «مارك لينش» مقالاً هاماً في دورية الشؤون الخارجية تحت عنوان «نهاية الشرق الأوسط: كيف تشوه الخرائط القديمة الواقع الجديد»، واستند في ذلك إلى أن الإقليم بات متلاحماً ومتورطاً مع أقاليم أخرى منها القرن الأفريقي وأفريقيا بشكل عام وكذلك مع إقليم المحيط الهندي وآسيا في العموم. ولكن «الواقع الجديد» بقدر ما وسع من علاقات الشرق الأوسط بالأقاليم المجاورة؛ فإنه في ذات الوقت ظل يعبر عن انعكاسات هذا الواقع على المنطقة وتفاعلاتها والتي تأثرت بالحقائق التي تراكمت مع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وأول ما فيه كان رد فعل «الدولة» الشرق أوسطية لنوبات العنف الداخلي والتدخلات الخارجية والتي رتبت اتجاهات إصلاحية عميقة خلقت احتياجات جديدة متعلقة بالتعاون الإقليمي، وتنمية المصالح المشتركة سواء تعلقت بالغاز والنفط، أو بالحاجة إلى توسيع سوق السلع والبضائع، أو مواجهة الإرهاب. وثانيها أن الأثمان الفادحة للصراع الإقليمي فرضت سلسلة من الحوارات والمباحثات التي خففت من ناحية من توترات «الحالة القطرية»، وفتحت أبواباً للحوار مع إيران وتركيا، أما إسرائيل فقد فتحت العلاقات معها أبواب ما عرف بالسلام الإبراهيمي، وتدفئة السلام مع مصر والأردن بعد عقود من البرودة، وجرى ذلك ضمن إطار منتدى شرق المتوسط، فضلاً عن سلسلة من الاجتماعات القيادية كان آخرها في النقب خرج منها مجموعات العمل الست الجديدة وكان فيها مجموعة واحدة فقط تتعلق بقضايا الدفاع الإقليمي ومواجهة إيران؛ والخمسة الآخرون هم الطاقة، والسياحة، والصحة، والتعليم، والأمن الغذائي والمائي. وثالثها وربما أهمها على الإطلاق كان الخروج الأميركي من المنطقة وما أذن به من عمليات معقدة لمراجعة نتائج انتهاء الحرب الباردة من قبل الصين وروسيا فيما ترتب عليه من حرب أوكرانية ذهبت بنتائجها إلى «الشرق الأوسط» في مجالات الطاقة والغذاء.
لا تزال توجد مساحة للعصف المنطقي أتفهم المبررات المنطقية والعاطفية للمؤمنين بالمستقبل الصيني Sinophiles أو للكارهين للهيمنة الأمريكية Americophobes ويشجعون أي عدو مهما كان كنهه، لكني لست قادرا على المشاركة في ذلك التفاؤل لعدة أسباب: ۱- أن الصين حققت جل ما حققته من إنجازات في ظل النظام العولمي الذي قادته الولايات المتحدة ما بعد الحرب الباردة لاسيما مع قبول انضمام بكين لمنظمة التجارة العالمية في ٢٠٠١. مقعد المستفيد beneficiary وأصبحت بكين مع مرور الوقت المتلقي الرئيسي chief recipient لمعظم محفزات وإيجابيات منظومة العولمة والأكثر استفادة منها.
لكنها لم تجرب يوما ما دور الإشراف والرقابة moderation الذي يرتب على الدولة طرحا فلسفيا عميقا وإدارة معقدة جدا ومسؤوليات وتكلفة كبيرة.
۲- أن الصين ليس لديها أي تجارب تاريخية سابقة في قيادة او فرض نموذج قيادي لأي منظومة دولية في أي فترة من تاريخها وهو أمر شديد الأهمية حيث أن المنجزات الحضارية للدول تفيد كثيرا في قيادة وإلهام الآخرين لاسيما في أوقات الأزمات الدولية والقوة بمفردها لا تفيد في هذه الحالة وأن ما يشار إليه بنموذج السلام الصيني PAX SINICA لا يعدو كونه أمور نظرية لا يوجد دليل عليها كسياسات أو خطط أو إجراءات أو تنزيلات على أرض الواقع.
تفعله الصين حتى في عز الازدهار الاقتصادي عندما كانت الصين أكبر اقتصاد في العالم في منتصف القرن التاسع عشر. وهو ما يقودنا للنقطة التالية...
وهو ما يجعل التفكير فريضة في حق أي قوة تحمل معولا هدم النظام الدولي الحالي. فالقادم خارج هذا النظام مجهول تماما
وحتى الصينيون أنفسهم لا يعرفونه.
- أن نمط التحالفات الصينية هي بمثابة تحالفات ضرورة قصيرة الأمد لا يمكن أن يعتمد عليها في المستقبل عندما يعلو صوت السلاح، على العكس تماما من الحلف الأمريكي الذي تولد من رحم الحرب وجربوا الحرب والازدهار معا وهو ما يقال عليه مجازا gun & butter
٤- أن هيكل القوة الصيني الحالي لا يزال غير قادر على مواجهة القوة الأمريكية بل ويحتاج أعواما للسيطرة على الجوار الإقليمي في الباسيفيك وكسر الحلف الأمريكي هناك. لذا فإن القوة الصينية لاسيما قوتها البحرية الواعدة غير قادرة على فرض نظام ومنظومة دولية جديدة ولن يكون بمقدور البحرية الصينية اللحاق بالبحرية الأمريكية قبل خمس وعشرين سنة على أقل تقدير وهو ما ورد في استراتيجية المئوية الصينية ١٩٤٩ - ٢٠٤٩. ما يحدث الآن ومنذ رفض شي عرض بايدن صعودا غير مسلح (صعود اقتصادي مع إرجاء لخطط التحديث العسكري في اجتماع الآسيان في الخريف الماضي هو بمثابة محاولات التعاطي مع حالات الفراغات الاستراتيجية في النظام الدولي الحالي وهي كثيرة. وفي رأي أن هذا لن ينتج عنه سوى إنهاء وإرباك للولايات المتحدة
ولن تقوي الصين التي لن تتحمل تكلفة الصعود وسيقود العالم
بأسره إلى حرب عالمية في غضون ٣-٥ سنوات...
المملكة الأردنية الهاشميّة, عمان.
المهندس:عــمــاد صــقــر
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-04-2023 11:35 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |