30-04-2023 09:40 AM
بقلم : د.نشأت العزب
لا يمكن لأي شخص عاقل أن ينكر دور الذكاء الإصطناعي في كونه نقله كلية في طريق سير و تطور التكنولوجيا و المعرفة تشبه تماما النقله الكلية التي احدثتها الفيزياء الكمومية للعالم اينشتاين في عالم الفيزياء و التي جعلت الفيزياء و العلوم اجمالا تقسم الى ما قبل فيزياء الكم و ما بعدها، أن الذكاء الإصطناعي هو نتيجه لتطور وعينا و ادراكنا لفيزياء الكم و ما تبعها من خطوات و تسارع في تقدمنا العلمي و التكنولوجي.
نحن نعيش في كونٍ كلما عرفناه اكثر، كلما أدركنا حجم جهلنا اكثر، فقد جعلنا العلم ندرك مع كل نجاح و تقدم نصل له بكمية الجهل التي كنا نفكر و نتعامل بها مع الاشياء المكتشفة مسبقا عند مقارنتها مع ما تم اكتشافه حديثاً، و من هنا تظهر الحكمة لتخبرنا أن أي تقدم علمي من الضروري أن يصحبه توازن اخلاقي حتى نستطيع التحليق في سماء العلم و المعرفة بتوازن و بطريقة سليمة تجعلنا لا نندم على لهفتنا الغريزية و رغبتنا في التقدم و التطور السريع من دون ان نأخذ في الحسبان الثمن و النتائج لهذا السلوك .
الدماغ عضو مرن لم يكتشف العلم فيه اكثر من 10% من حقيقته و قدرته، لكن هذه النسبة البسيطة كافيه لندرك أن الدماغ هو أداه للعقل ، العقل الذي يمر في رحلة تطور تماما كما أي مكون طبيعي آخر لكن بقوانين مختلفة ، فالعقل كالمصنع للجسد و مصدر عمله هو الدماغ الذي بدوره يتأثر بشكل مباشر في السلوك و بالمحصلة يؤثر على عمل و تطور العقل. فالعقل هو النور للجسد في طريق التقدم الانساني، و بسلوكنا نحن من يجعل طريق تقدمنا منيراً أو مظلماً.
كنت اتسائل دوما!, كيف استطاع دافنشي و هو في كهف أن يكتب اهم الملاحظات العلمية التي لا نستطيع تفسير الكثير منها اليوم، و كيف استطاع رسم اعظم اللوحات بتقنيات لا يستطيع العلم معرفة ٱليتها استخدامها حتى وقتنا الحاضر!، و كيف استطاع ارسطو من قياس محيط الأرض في زمن لا مكان للتكنولوجيا فيه و إنما للعقل، و كيف استطاع افلاطون أن يضع نظرياته الفلسفية لعلم الاجتماع و غيره من العلوم و التي نتأكد من صحته معظمها إلى يومنا هذا!, و كيف استطاع العلماء العرب و المسلمين من وضع بصمتهم بتأسيس معظم العلوم و خصوصا علم الفلك في وقت لم توجد فيه كهرباء حتى! هذه الجزء البسيط من الاسئلة ليست بديهيه ابدا بل تقودنا إلى ادراك عظمة العقل و قدرته على اكتشاف اسرار هذا الكون و مساهمته في تطور العلم و المعرفة البشرية.
كل شيء مجرد، طريقة استخدامنا و سلوكنا اتجاهه تجعل منه تأثيره علينا ايجابيا أو العكس، فالتكنولوجيا هي أداة للعقل و للتطور البشري للحفاظ على النوع و تسهيل ظروف الحياة و نحن البشر جزء من الطبيعة، فالتحدي الذي امامنا اليوم هو كيف نستطيع الموازنة بين التقدم البشري و الحفاظ على الطبيعة، كيف نستطيع استخدام الذكاء الإصطناعي من دون تثبيط وظيفة العقل و اهمالها، فقد كان باستخدامنا الخاطىء للتكنولوجيا الاثر الكبير في جعلنا نفقد الكثير من ميزات العقل البشري و جعلنا نواجه ازمات حقيقة مثل أزمة المناخ و الازمات الإقتصادية الحالية و القادمة و ذلك لأننا جعلنا الذكاء الإصطناعي يقوم بالتفكير بدلا من العقل و ما نعيشه اليوم هو نتيجة لذلك.
لا يمكن وصف العقل البشري بكلمات في مقال بسيط، فهذا العقل هو الذي جعلنا نصل لاكتشاف هذا الذكاء الإصطناعي، لكن لدينا مسؤولية كبيرة و حقيقية أمام الجيل الحالي و الاجيال القادمة و ذلك بوضع قوانين و ارشادات في الطريقة السليمة لاستخدام هذا الذكاء، الطريقة التي تسمح لعقلنا البشري بالتطور و تقديم المزيد من العلوم و المعارف لنا، فمهما تطور الذكاء الإصطناعي فلا يمكن أن يكون لديه وعي كالوعي البشري و بذلك نكون أمام خطر حقيقي، فعدم ادراكنا لخطر تطور الذكاء الإصطناعي من دون وضع ظوابط و قوانين صارمة تتناسب اخلاقيا و عمليا متوازية مع التقدم الانساني يؤكد عدم فهمنا و ادراكنا لما هو الذكاء الإصطناعي!.
ان عدم قدرتنا على ادراك حقيقة و قدرة العقل البشري لا يجب أن تجعلنا نعتقد أن الذكاء الإصطناعي يمكن أن يكون قريب حتى من ذكاء العقل البشري و قدراته، فالعقل البشري هو ابن الكون اما الذكاء الإصطناعي هو ابن المادة و هو نتيجه ذكاء بشري، فهنا مفترق الطرق و التحدي بأن نتصرف بذكاء و نسخره لخدمة انسانيتنا أو أن نهمل و نثبط بسلوكنا و غريزتنا للكسب السريع و تشوشنا بالتفريق بين الثمن و التكلفة رحلة تطور العقل . عندها لن يكون هنالك فرق بيننا و بين الانسان البدائي.
بقلم: د. نشأت العزب
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-04-2023 09:40 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |