30-04-2023 11:10 AM
بقلم : محمد كامل العمري
أثارت تصريحات السفير الأمريكي في الأردن الكثير من الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، لجهة اعتبارها تدخلا مباشرا في الشؤون المحلية، واستخفافا بالثقافة المجتمعية، خاصة عندما قال إن “على الأردن تغيير ثقافة بقاء المرأة في المنزل”. الأمر الذي زاد من منسوب التفاعل بين مؤيد ومعارض. ولم يكتفي السفير بهذا التصريح، بل أكد على أن “استيعاب الحكومة للعدد الأكبر من القوة العاملة هو خلل اقتصادي كان لا بد من تصحيحه”. إضافة إلى تصريحات أخرى تتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني، وما تحدث به وزير المالية الإسرائيلي بما يخص الوضع في القدس أو العلاقة مع الأردن.
وثمة من يرى أن تصريحات السفير الأمريكي لا تعكس الواقع الحقيقي للسياق الذي تعيشه المرأة الأردنية، والدليل -حسب رأيهم- هو كثافة الحضور النسائي في الجامعات الأردنية، فضلا عن الدوائر الرسمية. ولكن، وبعيدا عن التفسيرات المؤامراتية، التي تحظى بقبول واسع لدى شرائح كبيرة في مجتمعنا، فإن الواقع يؤكد أن مشاركة المرأة في المجال الاكاديمي تقتصر على البحث عن وسيلة مضمونة للزواج، وما تحمله هذه الفكرة من زيادة احترام الذكور للمرأة المتعلمة (مثل قولهم “بدنا وحدة متعلمة”)، ولذا قد لا تعتبر هذه المشاركة تعبيرا صميما عن إرادة حرة. أما عن حضورها في المجالات الوظيفية فغالبا ما تؤطر هذه المشاركة بالضغوط المتلاحقة من الأب أو الزوج أو الأخ أو حتى الخوف على مستقبل الأولاد. وهنا نتساءل؛ هل حقا هناك ثقافة تبقي المرأة داخل جدران المنازل حسب كلام السفير الأمريكي؟ وما السبيل لجعلها منخرطة بشكل فعال في المجال العمالي الأردني؟ وما دور الأزمة الاقتصادية وضعف الدور الحمائي للدولة في تغيير الأفكار حول مشاركة المرأة أو تغيير بعض القناعات الثقافية المترسخة؟ يمكننا الإجابة عن هذه التساؤلات عبر البحث في السياقين التاليين:
أولاً: ترهل البنى الأبوية والعلاقة بالاقتصاد
من المعلوم أن التأزم الاقتصادي (خاصة التضخم) وما ينطوي عليه من فقر وحاجة، يؤدي، مع مرور الوقت، إلى إضعاف البنية الهيكلية للنمط الأبوي، حيث تتفكك الكثير من المفاهيم القائمة لصالح أخرى جديدة. ونحن هنا لا نتحدث عن فقر متأسس ومعتاد في البنية الاجتماعية، والذي قد يؤدي إلى سلوكيات شديدة المحافظة (كما هو الحال في أفغانستان أو باكستان أو المناطق الطرفية في بعض الدولة العربية)، بل عن نمط اقتصادي قائم على شعور الاستحقاق، وبالتالي الإحساس بجرح نرجسي في عدد لا متناه من القيم والاعتقادات. ويحدثنا جلال أمين في كتابه “وصف مصر في نهاية القرن العشرين” عن أن ارتفاع مستويات التضخم أجبرت النساء على الخروج إلى العمل، وبموافقة كاملة من العائلة. وبالتالي، فإن الصدمات الاقتصادية قد تدفع النساء إلى المطالبة ببعض الحقوق التي ظلت قيد التجميد المتعمد.
إن قوة البنية التحتية اللازمة لاستقبال العمالة المحلية، وانخفاض الأجور المطلوبة للقيام بالدور الأبوي على أكمل وجه، لا سيما من ناحية فرض السيطرة التراتبية، إضافة إلى عامل تغير النمط المعيشي للطبقة الوسطى المعتادة على تلقي الرعاية من الدولة، والتي بنت ثقافة استهلاكية استعراضية مقارنية ساهمت في زيادة الاقتراض (خاصة من شباب هذه الفئة) لصالح مشاريع غير إنتاجية (القروض الكبيرة على الأردنيين)؛ كل تلك العوامل قد تقوي من عملية ولوج المرأة لسوق العمل، وذلك نتيجة لتآكل مداخيل الأدوار الأبوية. وأيضا، ومن ناحية أخرى، قد تكسب الأفراد بعض الشعور الفرداني لأنفسهم. ولكن هذا التأمل قد يصطدم مع موجة مقاومة من البنى التقليدية، بدافع الخوف من خسارة المكاسب المتوارثة.
ثانياً: التطرف البديل والعنف الاقتصادي وضعف مشاركة المرأة
تعد الحاجة إلى العمل من أهم العوامل المؤثرة على السياقات التغييرية في المجتمعات، حيث تزاد معها المطالبات الفئوية أو الحراكية أو الثقافية. ولذا وبسبب هذا الإلحاح، ومع تغير الرؤى الثقافية حول عمل المرأة (أو هكذا يفترض)، فإن ذلك قد يولد شعورا بالمقاومة عند بعض البنى، لا سيما الذكورية منها. ومما يعني ازدياد حالة التوهان على المستويين الرسمي والشعبي، حيث لا ترغب “الدولة” في التصادم (لحسابات سياسية تخصها)، وفي مقابل ذلك تتكون معادلة دقيقة لدى الرجال لقبول عمل المرأة ضمن ضوابط محددة، أو ضوابط يتم شرعنتها.
وضمن نفس الإطار، يتم التحذير (من قبل بعض شيوخ الدين) من خطورة عمل المرأة على الدين والأخلاق والقيم، التي تقتضي أن تتلازم فقط ضمن النمط الذي اعتادت عليه، (الإنجاب، تربية الأبناء، رعاية الزوج). فضلا عن ذلك، يلاحظ أن ثمة استعلائية أخلاقية من “طبقة المكاتب الحكومية” (الذين بطبيعة عملهم محافظين) تجاه التغييرات الجديدة الخاصة بعمل النساء، مثل قولهم “الدنيا تغيرت.. وما عاد شيء مثل قبل”.. “هذا الجيل فالت وغير محترم”.. “راحت أيام العز والأدب”. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تتمأسس ممارسات ذكورية (شبابية تحديدا) في رسم الصورة المناسبة لعمل المرأة، مثل عدم الاختلاط مع الجنس الآخر، أو السكن بشكل فردي، أو التلصص على هاتفها لمراقبة محادثاتها الخاصة.. الخ.
وعليه تتبدى ممارسات استبدادية تحدد من قدرة المرأة على العمل، وتسهم في نشر حالة التخوف من انخراطها في الحياة العملية، ومن هذه الممارسات:
أولاً: الحرمان المبكر من التعليم عبر تزويج القاصرات (باعتبار المرأة نوع من “الهم” الذي يجب التخلص منه حسب بعض العقليات الذكورية). وهذا الأمر ينتشر في بعض المناطق الطرفية أو تلك التي تغض الحكومة النظر عنها باعتبارها تتمتع بنوع من الخصوصية المحلية، أو حتى بعجز الدولة عن التدخل القاهر ضد بعض المنظومات القبلية البدائية. وبالتالي الحكم على المرأة أن تبقى أداة إنجاب ورعاية فقط، وحرمان حقها بالعمل وتكوين دخل مستقل.
ثانياً: حرمانها من إكمال تعليمها في بعض التخصصات، كالتمريض، أو الفنون التجميلية، أو التمثيل، أو أخذ دورات من مراكز التجميل، أو الصناعة الترفيهية.. وذلك بسبب تعارضها مع القيم المتوارثة.
ثالثاً: إجبارهن -في حالة عملهن- على وضع الراتب تحت تصرف الزوج أو الأخ أو الأب، أو حتى أخذ قروض وضمانات وكفالات دون إرادة منها، وذلك من خلال الاستغلال العاطفي ضمن سياق العلاقات القرابية. وفي حالة الرفض، فإن الوسيلة المستخدمة تتضمن، التهديد بالطلاق، الحرمان من العمل، تعريضها للعنف.. الخ.
رابعاً: كثرة الأعباء المنزلية وعدم تحمل الشريك لأي مهمة تخفف عنها أثقال التنظيف أو الطبخ أو الغسيل.. الخ. وبالتالي فإنها، في هذه الحالة، تفضل البقاء في المنزل على أن تتحمل مسؤوليات عديدة.
خامساً: التحرش في أماكن العمل، أو الاستغلال الجنسي مقابل الترقي الوظيفي، أو حتى الاغتصاب بكافة أشكاله.. كل ذلك يقلل من انخراط النساء في العمل، لا سيما مع ضعف الروادع القانونية لهذه الانتهاكات، والتي غالبا ما تغلف بأحكام مخففة.
سادساً: انعدام حرية التصرف بالجسد (على عكس الرجل) سواء باختيار طريقة لباس مغايرة للقوالب الثقافية، أو بالممارسة الجسدية الخالية من أية توابع بيولوجية. الأمر الذي يقلل من السعادة المطلوبة لاستكمال الأعمال بشكل فعال.
أخيراً؛ إن فوائد عمل المرأة لا تقتصر على زيادة المدخول الإنتاجي للناتج القومي فحسب، بل تشمل أنماط العلاقات بين الأفراد، من حيث انتشار التسامح وتقبل الخصوصيات الفردية، فضلا عن تخلص المجتمع من ظاهرة الإنجاب غير المسؤول، المعتمد على رعاية الدولة للأبناء بالتوظيف الرسمي، أو بالنظر إلى الإنجاب على أنه مستوى من “العزوة” الضرورية بين الآخرين، وذلك لضعف الفواعل القانونية في كثير من الأحيان، خاصة بالاعتداءات الجسدية على الأفراد العزل، وضرورة الحصول على أكبر عدد من الذكور ليكونوا عوناً في المستقبل! وعلى ذلك، فإن “الدولة” مطالبة بأخذ زمام المبادرة بما يتعلق بسن تشريعات توائم تطلعات النساء من جهة، ومن جهة أخرى تحرر النظم القضائية من بعض العناصر المتطرفة، خاصة من أولئك الذين باتوا في مراتب مقدسة يمنع لأي شخص انتقادهم. أما اليوم فقد بتنا نرى أصواتاً ترفع حضورها لجهة التأكيد على حق عمل المرأة في مناخ سليم يمنع أي ضرر يصيبها، ومن هؤلاء الأشخاص النائب "ميادة شريم"، التي ما فتئت تلاحق البنى المتصلبة من أجل تأكيد حضورية المرأة في المجال العمالي والثقافي، فضلاً عن تأسيس حالة حقوقية / قانونية تقلل من أثر الاعتداءات المتكررة على النساء.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-04-2023 11:10 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |