06-05-2023 02:25 PM
بقلم : السفير قيس شقير
ونحن نستعد لمناسبة زفاف سمو ولي العهد - حفظه الله - وأقول نحن لأنها تعني أننا كلنا "أصحاب بيت"؛ أصحاب البيت الأردني الواحد، وكلنا معنيٌ بالمناسبة، وطرفٌ فيها بعدّها حدثًا وطنيًا، لا مناسبةً اجتماعيةّ ملكيةً فحسب. ويربطنا الحدث الملكي السامي هذا بحدثٍ شهده منتصف خمسينيات القرن الماضي، حين خطا المغفور له - بإذن الله - الحسين بن طلال نحو بناء عائلته الصغيرة، وهو في خضم معترك إقليمٍ ملتهبٍ، يستكمل مسيرة بناء الأردن التي اختطها جده الملك عبد الله الأول في عشرينات القرن الماضي.
فهل من مقاربةٍ ما بين حدثين يفصل بينهما نحو سبعة عقودٍ؟ وهل من رابطٍ بينهما؟
أجل، فالرابط ما بين المناسبتين يبدو جليًا، إذ ما يزال الميثاق ما بين الوطن وقيادته الهاشمية غليظًا، وما بَرُح الأردنيون متعلقين -بفطرتهم- بالعائلة الهاشمية كمثل الجسد الواحد، رغم توالي السنين والأحداث والمتغيّرات التي لا تنحصر بالإقليم فحسب، بل وتتجاوزه إلى نظامٍ دوليٍ متعدد الأقطاب بدأ بالتشكّل.
وبناءُ الأسرة الصغيرة مرتبطٌ عضويًا ببناء الأسرة الأم؛ الوطن بامتداده، وبتنوع مشاربه، في محيطٍ ملتهبٍ وعاصفٍ منذ عقودٍ، كان فيه الأردن - ومنذ تأسيسه - مهددًا بوجوده، ثم غدا اليوم، في محيطٍ مهددٍ هو ذاته، والأمثلة حولنا تزخر من شمال الوطن إلى غرب نهره، وقدسه وأقصاه، ليطال السودانٍ وليبيا وغيرهما من الدول، في مخططٍ لعله يستهدف وجودنا أمةً واحدةً، ولاريب.
وكان التحدي الذي واجه الحسين الأوّل، تحدي وجودٍ، فالتف حوله الأردنيون منذ احتفالهم بجلوسه على العرش بدبكاتٍ شعبيةٍ في شوارع عمان، ومدن الأردن وقراه، ثم باحتفالٍ مماثلٍ تكرر يوم زفافه الملكي، وليمضي الالتفاف حوله قائدًا بانيًا لأردن اليوم الذي نفخر به.
وقد لا تبدو المقاربة على هذا النحو مكتملةً، فرغم التحديات التي نعيشها، فإنّ من يُشرع اليوم ببناء أسرته الصغيرة، يحفل برعاية جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله من جانب، وبآمال الأردنيين ودعواتهم للمولى عزّ وجلّ له بالتوفيق من جانب آخر. ولكن المقاربة - مع ذلك - تصحُّ، بل وتلحُّ علينا حين نستدعي تحدي الماضي مثالًا، حتى نتعاضد معًا في مواجهة التحديات، والظرف الصعبٌ، لا اقليميًا فحسب، بل وعلى مستوى الوطن أيضًا. فإن كنا نرى اليوم سمو ولي العهد يسعى بين مناكب الوطن محفّزًا للشباب هنا، وساعيًا لتطويرٍ الذات في حقل العلوم والتكنولوجيا والابتكار هناك، فإن الواقع على الأرض يستدعي أن نعي جميعًا حجم التحديات في الداخل قبل الخارج، فمن قال إن تعزيز الجبهة الداخلية هو سبيلنا لتجاوز ما يعصف بالدول حولنا، فقد صدق.
علينا، ونحن نشارك جلالة الملك المعظّم والأسرة الهاشمية فرحتها بعرس الابن البكر، أن نشاركها، وأن تُشركنا أيضًا، بمسؤولية تحديث بناء البيت، وصيانة ما يتطلب الصيانة فيه، وتحمّل كلفتها، والمساهمة الفاعلة بتحمّل أعبائها، وهذا لا يتحقق بعرف "العونة" الذي خبرناه من جدودنا، بل بانخراطٍ مدروسٍ متّجهٍ نحو المستقبل بنظرةٍ موضوعيةٍ شفافةٍ تتلمس حاجاتنا، ومواطن الخلل عندنا على الأصعدة كافةً اجتماعيةً، واقتصاديةً، فكريةً وتعليميةً وثقافيةً، وسياسيةً تُعنى بسبر آفاق مستقبلنا، فنبدأ بمعالجة مصاعبنا الاقتصادية الراهنة المرتبطة حتمًا بالواقع السياسي حولنا، وحاضرنا الاجتماعي الذي بات فيه تجاوز القيم الاخلاقية، وانتشار المخدرات ما بين فتية المدارس وشباب الجامعات أمرًا – للأسف - مألوفًا.
وعلينا، ونحن ننظر إلى المستقبل، أن نُحصّن نظامنا التعليمي ونحن نُشرع بتعزيز العمل السياسي، والتأسيس لانطلاق أحزابٍ جديدةٍ، فمن أين ستأتي هذه الأحزاب بفكرٍ سياسيٍ وبتنظيمٍ لكوادرها يخدم الوطن، وكثيرٌ من طلبتنا ومن شبابنا بات بعيدًا عن ثقافة أمته العربية وحضارتها وتاريخها؟
كثيرًا ما تكون مناسباتنا الاجتماعية فرصةً لا للقاء فحسب، بل وللحوار، فلم لا تكون مناسبتنا الوطنية الملكية القادمة ملتقىً لحوارٍ؟ حوارٍ نقف خلاله مع ذاتنا وقفة مراجعةٍ تستلهم تجربة الماضي عزمًا، وانجازًا وطنيًا، تُشخّص واقعنا بشفافيةٍ يقتضيها صدق التوجّه نحو الخروج مما يواجهنا من صعابٍ وتحدياتٍ بإرادة تحاكي إرادة الأجداد البناة، وبعزيمةٍ مستلهمةٍ منهم، أدواتها علمٌ، ومعرفةٌ، وثقةٌ بالنفس لتسمية الأشياء بمسمياتها، وقدرةٌ على الإنجاز، ونحن ندرك يقينًا أن ما عاد لنا أن نقفز فوق الحقائق على الأرض حولنا، وفي محيطينا الإقليمي والدولي على حدٍ سواءٍ.
نبارك لجلالة الملك المفدى ولجلالة الملكة حفظهما الله فرحتهم، وندعو المولى عزّ وجل أن يبارك زواج سمو الأمير الحسين ولي العهد، وأن يكلل التفافنا حول الأسرة الهاشمية بما يحفظ وطننا عزيزًا عزة أبنائه العاشقين لترابه.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-05-2023 02:25 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |