08-05-2023 04:27 PM
بقلم : محمد يونس العبادي
تابع العالم تتويج الملك تشارلز الثالث ملكاً في المملكة المتحدة، وهو حفل تتويج مليء بالدلالات التاريخية، وبما يعبر عن عراقة هذه المملكة، ومقدرتها على التمسك بإرثها وعصرنته.
وعلى مدار يوم كاملٍ وبتقاليد تعود في جذورها إلى مئات السنين، أعادت مؤسسة العرش إنتاج عصر الملك تشارلز موظفةً تلك التقاليد لتعبر عن هويتها وذاتها، وعراقتها، وهذا أمر فائدة التنويه إليه أنه فيه تجربة محببة لدى البريطانيين الذين رأوا في مؤسسة العرش بأنها الجامع بين غالبية أبناء الشعب، بغض النظر عن الحكومات، وانتخاباتها وألوانها، وأنّ مسألة استقرار السلطة وتداولها تجري بسلاسةٍ، وضمن تقاليد راسخة.
وتأمل هذه التجربة يعبر عن دورٍ متأصلٍ لمفاهيم راسخة وتقاليد عمرها مئات السنين، فـ «عصرنة التاريخ» مهمة جداً، فالتاريخ ليس مفاهيم وروايات متداولة بل هو جهاز متكامل، تكمن أهميته في مقدرته على صياغة الوعي الجمعي، وهو مناسبة لأنّ تحتفي الشعوب الحيّة بإرثها، وتقوم باستحضاره، فمشاهد من باتوا لليالٍ في لندن، وهم يترقبون متابعة تلك المراسيم، وبسعادة باديةٍ، تعبر عن طريقة وأسلوب الشعوب واعتزازها بما تملك من قيمٍ.
وفي صلب هذه المشاهد، كانت مراسم التتويج التي حضرها ممثلون لمختلف فئات المجتمع البريطاني، سواءً الدينية أو العرقية، بما يعني مقدرة التاريخ على العصرنة وعلى استيعاب الجميع ليشعروا بالانتماء لبلادهم، وما تمثله من تقاليد.
في هذه التقاليد، وإرثها، وأسلوبها، ومفاهيمها، غنىً بحاجةٍ إلى تأمل، والاستفادة من هذه التجربة، وبخاصة للمؤرخين، ولمن يشتغلون في التاريخ، ذلك أنها تختزل المقدرة على توظيف هذه المادة، لتبقى حيةً في وجدان الشعوب، وبالتركيز على الجوامع، والقيم المشتركة، وليس ذلك التاريخ الذي يؤسس لروايات، ويؤصل هوياتٍ فرعيةٍ، فالجوامع بحاجةٍ إلى التعظيم، وتجاوز ما يشوب التجربة من تنافرٍ أو خلاف.
ومن بين المقاربات، التي تستحق التأمل ما بين الماضي والحاضر، استخدام أقدم التيجان الملكية، ليوضع فوق رأس الملك تشارلز، وهو تاج القديس إدوارد، ويعود إلى القرن السابع عشر إذ صُنع عام 1661 ولبسه الملك تشارلز الثاني لأول مرة.
ومراتٍ عدة جرى صهر التيجان الملكية التي تعود إلى العصور الوسطى، حيث يزن تاج القديس إدوارد حوالي كيلوغرامين، ويقدر سعره بحوالي 40 مليون دولار، وتعود التسميته إلى سانت إدوارد وهو آخر ملوك إنجلترا الأنجلو ساكسونيين والذي حكم من عام 1042 حتى وفاته عام 1066.
كما انشغل البريطانيون على مدار يوم فرحٍ كامل، باحتفالات عدة، بينها: حفل موسيقي في قلعة وندسور، وتم إذاعة هذه المراسم والاحتفالات المستمرة، على القنوات التلفزيونية، إذ اظهرت إحصائيات أن أكثر من 18 مليون بريطاني تابعوا هذه المراسم، ما يعبر عن دور الإعلام في تعزيز هذه الجوامع.
إنّ التاريخ، وما يحمله من مرويات وتقاليد راسخة، هو المادة الأكثر فائدة لتسخيرها لخدمة تعزيز القيم المشتركة ووجدان الشعوب، ولكل دولة تجربتها، ولكن السياقات التاريخية وتجارب الشعوب واحدة، فالتاريخ هو المقدمة التي تبقى حيّة دوماً... وهناك كان تجربة تستحق التأمل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-05-2023 04:27 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |