21-05-2023 10:12 AM
بقلم : السفير قيس شقير
اسمي عمان، ولي أسماء أخرى: فيلادلفيا، وربة عمون وغيرها، وأنا عاصمة الأردن، ولي من العمر آلاف السنين، ولكن أهلي حصروا تاريخي بقرنٍ من الزمان، فلا بأس، دعوني أحدثكم عني، فلقد رأيت أنكم تكثرون من تداول صورٍ على وسائط التواصل الاجتماعي لبعض معالمي كسقف السيل، والمدرج الروماني، أو درج فرعون، كما كان بعض أجدادكم يطلقون عليه، والقلعة، والمسجد الحسيني، ومقهى الجامعة العربية، وشارع الملك طلال، وشارع الملك فيصل، والرضا، وبسمان، والهاشمي، وبعض أحيائي التي نمت مع تقدم العمر، لتنسج حكايتنا. فما من مدينةٍ ارتبطت بأهلها، ولا أقول سكانها، ارتباطي بكم وببلدكم هذا؛ البلد الطيب الذي كبرت معه، وكبر معي منذ أن بدأت الحكاية مطلع عشرينات القرن الماضي.
من حينها، وأنا أفتح ذراعي، فكنت منطلقًا لمشروعٍ وحدويٍ رفع لواءه أميرٌ هاشميٌ حط رحاله بين جنباتي، وحلّ بين أهله، بينكم بدفء الترحاب الذي لم يفارقكم يومًا.
وحلّت النكبة، فكنت الحضن لمن سُرق منه بيته، وظلّ مفتاحه معه حتى اليوم.
ولقد خبرتم العيش ببساطته، فكان سيل عمان يجمع ابن باديتكم، وابن قريتكم بمن آثر أن يلوذ بعقيدته من بطش القياصرة، فترك القوقاز وأتاكم، ومن طاب له أن يجول في وطنه الكبير، فترك الشام وما وراءها من مدنٍ شمالًا، وشرقًا، وغربًا، وأتاني، فبنيتم وطنًا اتسع لكثيرين ضاقت بهم مخططات استعمارٍ جائرٍ لا يرحم، أبى إلا أن يستوطن جموعٌ من شتات الأرض قطعةً مثّلت القلب من جسد وطنكم الأكبر، فيما سكن مفجر ثورتكم الأولى القدس ليظل الحلم حاضرًا وشاهدًا على تاريخٍ لا تطويه السنون.
هذا سردٌ لماضٍ قريبٍ، وأما الحاضر، فبدا لي مختلفًا، وإن أحببت منكم، تطور العمران، وتسابقكم في الإفادة من التكنولوجيا، وحرصكم على التعليم بأرفع درجاته، فإني آخذ عليكم، سطوة المدنية بصورها فردية النزعة، وماديتها، والتي أبعدت كثيرًا منكم عن طيب مكنونكم الذي لم يعرف يومًا نزعةً نحو أنانيةٍ أو شيمٍ لا تمثلكم. فبت أرى مظاهر اجتماعيةٍ لم، ولن آلفها، فاستشرى بكم ما تطلقون عليه آفات المدن الكبرى، من مظاهرٍ اجتماعيةٍ سلبيةٍ، كان للحال الاقتصادية فيها اليد الطولى، فتغير سلوك بعضكم، ويا أسفي، وأنا أذكر أن الجار منكم كان لجاره أخًا، وكان اختلاف مشاربكم دافعًا لتعارفكم، وتوادّكم، تتسابقون لتحية بعضكم بعضًا، وتبادل التهاني في شهر رمضان المبارك، وفي الفصح المجيد، وفي الأضحى، وعيد الميلاد.
غدوتم اليوم أسرى لمدنيةٍ لا تمثل حضارتكم، بل تسعى لتقليد الآخر بكل ما عنده، حتى ولو ببنطالٍ ممزقٍ رثٍ، لا يعكس إلا خزي من ابتدعه، وضحالة فكره.
لن أطيل أكثر، كي لا أبوح بكل ما عندي من غيظٍ أكظمه، وأستحلفكم بالله الباري، أن تبرّوني، فتبرّوا وطنكم الأجمل بين الأوطان... احفظوه بما حفظه أجدادكم من طيب معشرٍ وحسن خلقٍ واهتمامٍ ترفعون به عني، وعنه غطاءً أخفى عنكم محاسن لن تروها إلا بعين محبٍ، وعقلٍ منفتحٍ يميز الخبيث مما يأتينا من كل صوبٍ، من الطيب، فأقضي العمر معكم عاصمةً لأردنكم الأجمل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-05-2023 10:12 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |