21-05-2023 10:20 AM
بقلم : الدكتور كايد الركيبات
يتكون المخزون الثقافي للفرد من خلال تراكمات معرفية، يمكن اكتسابها من مصادر التلقي المتعددة، كالمطالعة، أو السماع، أو المشاهدة، وهذه التراكمات المعرفية تشكل في مجموعها أساس المعرفة الإدراكية للفرد، ومنها تبدأ انطلاقة تفكيره المستقل، والذي يمكن أن يتجه باتجاهات التفكير التحليلي الاستنتاجي، أو نحو تطوير مهارات التفكير القياسي، أو حتى خلق تصورات خيالية معبرة عن الفكرة التي يحاول انتاجها، لهذا كان للتعليم أهميته في صقل شخصية الفرد، سيما أن التعليم يتكون من منظومة متكاملة مترابطة، تبدأ من إعداد المعلم، ثم المنهج التعليمي، وتوفير بيئة تعليمية مناسبة، وصولاً لمخرجات العملية التعليمية، التي تكون عادةً متوافقة مع البيئة الاجتماعية بكل مكوناتها الثقافية، والسياسية والاقتصادية، والأمنية في الدولة.
ونتيجة للتطورات الكبيرة في مجالات الاتصالات المختلفة، طرأت تغيرات في طريقة اكتساب المعارف، واتساع بيئة التأثر الاجتماعي، إذ أصبحت السمة العامة للمعارف المكتسبة لدى الأفراد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد على الايجاز والاختصار، ممثلة في: الرسائل القصيرة ــ صوتيه كانت أو نصية ــ أو مقاطع الفيديو، أو الصور. وهنا تتجذر المشكلة، فالفرد يعتاد الاطلاع على معلومة مجتزأة، وبالتدريج تحل هذه الصورة الجديدة من المعرفة محل مهارات المطالعة الفردية، ويتلاشى الدور الرقابي على نوع المعرفة المتبادلة بين الأفراد وضبط المحتوى التفاعلي، ويغيب الدور الإشرافي والتوجيهي في بناء شخصية الفرد السلوكية والمعرفية.
إلى جانب هذا الانقلاب على طريقة اكتساب المعارف، نجد أن المعلومة المجتزأة التي يكون مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي، لا يتم إيلائها الأهمية الكافية في البحث عن مصدرها، أو تحري دقتها، علاوة على ذلك يحتاج الفرد إلى توضيحها، فيقوم بإدراج التفسيرات المتممة لمعناها من خلال التخمين، أو الحدس، وهنا يتم تنمية معرفة ظنية لإتمام البنية الموضوعية للحدث، الذي اُخذت المعلومة المجتزأة عنه من وسائل التواصل الاجتماعي، وفي هذه الحالة نكون أمام معلومة غير مقطوع بصحتها، ثم تصور ظني لتفسيرها، يصاحب ذلك سرعة في انتشارها، وعدم القدرة الكاملة على تدارك أي خطأ ينتج عن ذلك التفسير الظني، وبذلك تكون الثقافة المكتسبة من هذه التراكمية المعرفية ثقافة ظنية.
هذا التحول في الثقافة الفردية من ثقافة تعليمية منظمة، إلى ثقافة ظنية، نتيجة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، لا يعني غياب الثقافة التعليمية المنظمة غياباً كاملاً، لكن قدرة وسائل التواصل الاجتماعي التأثيرية ستوسع الفجوة بين الثقافة التعليمية المنظمة، التي ترعاها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، في مواجهة الثقافة الظنية مفتوحة المصادر والاتجاهات، وهذه الفجوة التي تزداد اتساعاً، ستكون على حساب المخزون الثقافي للفرد، وبالتالي نجد أمامنا صورة ضبابية مركبة من معارف كثيرة ومتزايدة في كل مجال معرفي نتيجة التطور في وسائل نقل المعرفة، لكن القيمة العلمية لهذ الكم المتزايد محل شك، والأخذ به دون وعي وتحري الدقة يؤدي إلى مزيد من التخلف، والجهل، واضاعة الفرص والوقت.
الدكتور كايد الركيبات
kayedrkibat@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-05-2023 10:20 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |