28-05-2023 11:03 AM
سرايا - الناقد محمد رمضان الجبور
كثيرة هي الروايات التي تناولت الهم الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وكل رواية كان لها نكهتها الخاصة، وأسلوب صاحبها الذي يميزها عن غيرها من الأعمال الروائية، والرواية التي بين أيدينا للروائية أمل أبو سل «ثلج أحمر» من الروايات التي يمكن تصنيفها وأضافتها إلى ما يسمى بأدب المقاومة الذي يعرفه د. أسامة الأشقر «أدب المقاومة من الآداب الإنسانية التي تجدها في كل أمة من الأمم نتيجة وقوعها تحت ظلم طويل خانق دفع بمشاعرها وأحاسيسها لرفض هذا الظلم والتمرد عليه والانقلاب على مفاهيم الخضوع له والتعامل معه بوصفه أمراً واقعاً»
العنوان:
عنوان الرواية أو العتبة الأولى لهذا العمل الأدبي «ثلج أحمر» هو مفتاح الولوج إلى متن العمل الأدبي لكشف أسراره ومعرفة تفاصيله، فالعنوان بمثابة لحظة أو رسالة مبدئية لفحوى النص، وقد تكوّن عنوان هذه الرواية من جملة أسمية ضمت مفردتين «ثلج – أحمر» يحمل عنوان الرواية العديد من التأويلات ؛ فمفردة ثلج تحمل في نفسها أكثر من دلالة، فما أن تسمع كلمة ثلج حتى يتبادر لذهنك وتقفز إلى مخيلتك العديد من الصور البياض الناصع، الأكفان والموت، والبرد الشديد، والخير الكثير أيضاً، ومفردة أحمر لا شك أنها ترمز للدم، دم الشهداء، وعندما تُضاف مفردة أحمر إلى مفردة ثلج، يصبح لدينا دلالة جديدة وتلميحاً يساهم في تفسير وفك غموض النص، وهذا بلا شك يعتمد على براعة الروائية في سبك الأحداث وتسلسلها، فقد ذكرت الروائية في أكثر من موضع حبّ أحمد (أحد شخصيات الرواية الرئيسة) لرجل الثلج « أحمد يرتقي شهيداً بجانب رجل الثلج صمت بزفير يحترق، فصراخ بركان من هول المصيبة ومرة أخرى الثلوج باللون الأحمر إنها دماء الشهيد أحمد تلك الأمنية التي كانت تراوده وهو طفل صغير» ص160
الغلاف:
مفتاح آخر من مفاتيح النص، فقد ظهرت كلمة ثلج أحمر باللون الأسود وقد سالت منها قطرات من الدم باللون الأحمر، وغطى اللون الأبيض (صورة الثلج) الغلاف كاملاً وعليها قطرات الدم، دم الشهداء، فصورة الغلاف توحي وترمز إلى ما في داخل العمل الأدبي، ثم يأتي الإهداء ليوضح للمتلقي الكثير من المعلومات حول ذلك العمل وما يحمله في داخله، فقد أهدت هذا العمل إلى: لكل مخيمات الشتات في لبنان، لكل الملاجئ التي احتضنتهم، لكل المقابر الجماعية، لكل الشهداء والشهيدات، لكل جندي مجهول
لكل الأسرى والأسيرات، لكل الأمهات الثكلى، لكل الأرامل والأيتام، لكل الزهرات والأشبال، لكل سبع ضرغام، لكل راية شامخة، تعلو معاقل الحرية. كل هذه عتبات نستطيع من خلالها أن نلجُ إلى أعماق العمل الذي بين أيدينا.
المكان :
فالرواية تتحدث عن عائلة فلسطينية في واحد من مخيمات الشتات الفلسطيني الكثيرة (حي الشهيد) في لبنان، وترسم لنا الروائية أمل أبو سل مجموعة من المشاهد المؤلمة جداً في وصف المجازر الصهيونية أثناء الحرب، وتصور لنا وضع المدنيين العزل وغطرسة العدو الصهيوني. فالفضاء الروائي العام بيوت المخيمات والملاجئ، المراكز الصحية، الشوارع، الأزقة..
يمكن النظر للرواية من زوايا متعددة، فهي تحمل أكثر من بُعد وأكثر من جانب، فجزء من الرواية كان يعالج البعد النفسي للأم التي فقدت أولادها (العمة سهام) رامي وإبراهيم وأرادت أن تعوض هذا النقص في أن تستولي على ابن أخيها جمال ووالدته سهير، وتُصر سهام على اطلاق اسم رامي عليه، رغم أن والده قد سجله باسم أحمد، وتحرمه أن يتربى في حضن امه متعللة بحبه والخوف عليه « سهير تحاول أخذ ابنها من أحضان عمته القاتلة الحنونة بنفس الوقت وتصرخ العمة لا.. لا، لن تأخذي رامي سهير أنها الحرب، الحرب يا سهام أرجوك أعطيتني ابني بالله عليك « فالروائية «امل أبو سل» تُطلق على عمة الطفل أحمد
«القاتلة الحنونة» فقد قتلت والدة أحمد بحرمان الأم من ولدها، فوجود أحاسيس الخوف والحب والكره توضح الحالة النفسية التي تعيشها شخصيات الرواية فشخصية سهام وسهير، شخصيات تعاني من الفقد
والحرمان.
ويمكن أن نرى البعد والجانب النفسي في الرواية في النظر للظروف التي يعيشها سكان المخيمات، فقد عرضت الكاتبة تلك الظروف الصعبة في حديثها عن أوضاع المخيمات الفلسطينية المخيمات التي لا ترتقي للعيش الآدمي فهي لا تحمي من برد ولا تغني من جوع. بيوت تم استبدالها بالخيام، اسقفها أو اسطحها من الصفيح أو ما يسمى بالزينكو، بالإضافة لانعدام الخدمات العادية في تلك المخيمات.
ويبدو البعد والجانب النفسي أكثر وضوحاً عندما يُسمع دوي صفارات الإنذار معلنةً بدء الحرب، فيركض الناس إلى الملاجئ تاركين كل ما يملكون، يتفرقون ويتشتتون، ونادراً ما يلتقون مرة أخرى، وسهير بدلاً من حملها ابنتها ياسمين تحمل وسادة « بعد نوبات الصراخ والهستيريا غفت سهير بحضن عمتها والوسادة تشهد على وجعها وهي تحتضنها كل من بالملجأ نسي صوت القنابل والصواريخ والكل يبكي سهير المسكينة، والعمة المكلومة تنام وتفيق سهير تأتي ببعض المعلبات لتطعم ابنتها ياسمين «الوسادة» اقتنعت أنها ابنتها « الرواية ص40
الحبكة:
من العناصر التي لا غنى عنها في العمل الروائي، بل قد تكون العنصر الأهم من العناصر الأخرى التي تتكون منها الرواية، الشخصيات، والزمان، والمكان، والفكرة والأسلوب.. وقد عرفها البعض: على أنها سلسلة الحوادث التي تجري في القصة متصلة ومرتبطة برابط السببية فيما بينها ولا تنفصل عن الشخصيات أبداً، فإن القاص يعرض علينا شخصياته دائماً وهي متفاعلة مع الحوادث، متأثرة بها، ولا يفصلها عنها بوجه من الوجوه»
والرواية التي بين أيدينا قد تخللها وتم بناؤها على أكثر من حبكة، فهناك ما يسمى بالحبكة الرئيسية وهناك الحبكات الفرعية والتي في النهاية يتشكل منها العمل الروائي، فالحبكة الرئيسة في الرواية هي الحرب ووصف معاناة الشعب الفلسطيني تحت الحصار وفي الحرب ووجودهم في المخيمات، أما عن الحبكات الفرعية فهناك عدة حبكات منها:
مشكلة سهير زوجة جمال وتأخرها في الحمل وتنتهي بحملها بطفلها أحمد بعد عدة سنوات (سبع سنوات).
تعلق الطفل أحمد بعمته وحرمان امه من رعايته.
فقدان أحمد وياسمين أولاد سهير وجمال الطويل وتسجيلهم في قوائم الشهداء وبعد سنوات طويلة وبعد أن عاشوا في كنف الغرباء يعودون للحياة بين أهلهم وذويهم من جديد.. وقد تكون هذه الحبكة قد أخذت حيزاً في العمل الروائي أكثر من غيرها.
استشهاد أحمد بجانب الرجل الثلجي.
هذه بعض الحبكات التي اعتمدت عليها الروائية في نسج أحداث الرواية.
الجماليات الفنية في الرواية:
ظهرت في الرواية العديد من الجماليات التي زادت من قيمة العمل الروائي، فقد وظفت الروائية التراث الشعبي أو لنقل بعضاً من التراث الشعبي لإبراز هوية العمل الأدبي، فالرواية التي بين أيدينا ذات مضمون فلسطيني تؤرخ لمرحلة من مراحل الكفاح الفلسطيني ضد العدو الصهيوني الغاشم، فكان لا بد للكاتبة أن تُعرج على التراث الفلسطيني، فوظفت بعض الأمثال الشعبية الفلسطينية، ووظفت أسماء بعض الأكلات الفلسطينية مثل البصارة، والعكوب، وخبيزة... كما وظفت بعض الكلمات الخاصة بالتراث الفلسطيني مثل: الطبلية (الشيء الذي يوضع عليه الطعام) وكثير من المفردات والجمل التي تمثل المجتمع الفلسطيني الشعبي «(إفطار فلسطيني) المكون من منقوشة الزيت والزعتر، لبنة مقدوس وجبنة بيضاء بجانبها قطع البندورة والخيار» الرواية ص11
ولا بد لنا من أن نهمس للروائية أمل أبو سل لو أنها استخدمت الهوامش في تعريف بعض المفردات والكلمات الغريبة لكان أفضل، وكما هو المتعارف عليه في كتابة الأعمال الروائية، كما نرى أن الروائية قد اضطرت أحيانا لاستخدام أسلوب المباشرة في سرد الأحداث متعجلة في إيصال الفكرة أو الخبر للمتلقي وحبذا لوكان هناك عناوين منفصلة وفرعية حتى تريح المتلقي في الانتقال والمتابعة، في النهاية نرجو أن تكون هذه الرواية إضافة جديدة للمكتبة العربية، ونبارك للروائية أمل أبو سل هذا النتاج الأدبي.