حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2296

طُغيان الشعوب

طُغيان الشعوب

طُغيان الشعوب

30-05-2023 11:21 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : يوسف رجا الرفاعي
فإنِّكم لَكَأَهْلِ قَرْيَةٍ كانتَ آمنةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَدًا مِن كلِّ مكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَها اللهُ لِبَاسَ الجوعِ والخوفِ بِمَا كانوا يَصْنَعونَ.

هذه مقتطفات من خطبته الأشهر بين الخطب عبر التاريخ " ولقد فُرِرْتُ عن ذَكَاءٍ، وفُتِّشْتُ عن تجربةٍ " يقول بعد ان افصح عن نفسه ووضع عمامته
ويُكمِلُ قائلاً " ولا يُغمَزُ جانبي كتغمازِ التين " ويَقصدُ بهذا ذلك الذي يقف على شجرة التين ويبدأ الاكل حتى اذا شبع يبدأ بفحص حبات التين بواسطة اصابعه التي تترك اثراً على حبة التين ليختار اطيبها فتبدو كأن على جانبيها غَمَّازتين من اثر الاصابع ، فليس هو ذاك الذي يُفعَلُ به هكذا ،
هذا ليس قول قائد عادي إختلف عليه مَن إختلف او اتفق من اتفق حول شخصيته فقد كان باجماع مؤرخين كُثر أنه احد دهاة العرب واكثرهم حزماً وذكاء وربما كان الاصوب مراساً وفهماً لحقيقة وصيغة التعامل مع الشعب بمختلف فئاته العمرية والثقافية والاجتماعية والسياسية فكانت خطبته الخالدة هي ابلغُ مِن ضرب السيوف واشدُّ على النفوس من طعن الرماح ، ويشهد التاريخ انه ما استقامت الامور ولا استقرت في بلاد الرافدين الا على يد قلةٍ قليلة جداً ممن حكموها وكان هو " الحجاج " واحداً مِن هؤلاء .

هذا ليس اسقاطاً على الشعب التركي الذي ربما كانت نتائج تصويته هي الاصدق تشخيصاً للمزاج الشعبي حيثما وُجد شَعْب ، وان الفطرة البشرية قد جُبِلت على منازعة الهوى ومكابدة الميل إلى الانفلات بلا حدود او قيود ، فكان الوصف الأدقُّ في الحرية المطلقة بأنها مفسدة مطلقة وانها تؤدي حتما الى الهلاك ، فجاءت التشريعات والانظمة والقوانين لتكون ضابطة لإيقاع الحياة العامة للناس بما يهيئ لها سبل العيش ضمن هذه الضوابط بما ينسجم مع الفطرة السليمة من عيش كريم آمن يحفظ النفس ويحفظ العرض والحقوق ويبين للناس ما عليهم وما لهم لكي تستقيم لهم الحياة .

لن يُغرينا اتهام الرئيس الاميركي السابق ترامب وطعنه بالانتخابات الامريكية فنُصدِّق ذلك ، ولن نكون اكثر ولاءاً وانتماً منه لبلده لِنُظهِرَ تملقاً ممجوجاً فنُكذِّب ، وانما ربما يكون لنا فهمٌ او مبررٌ لنضرب مثالاً على الانتخابات الاميركية التي لا يُشَكِّك احدٌ بديمقراطيتها
فكما يصف العملية الانتخابية هناك العارفين بها وبتفاصيلها فإنها إذ تحترم رأي كل صاحب حق اقتراع وتصونه وتحميه من التحريف او الضياع والتيه فإن هذا الصوت يؤخذ به ولاكنه لا يُعطى له الحبل على الغارب او لا يُترك له العنان ليكون هو صاحب القول الفصل والكلمة النهائية باختيار ألرئيس وانما تسير عملية الانتخاب عبر حلقات متصلة من ضمن سلسلة طويلة محكومة بضوابط معينة يشترك فيها الرأي الشعبي الذي استقر في صناديق الاقتراع مع اصوات ناخبين اصحاب اختصاص بوظائف ومناصب حكومية ومسؤليات مضبوطة ايضا بقوانين وانظمة يستوي امامها الصغير والكبير ولا تمايز لاحد فيها ، وما كان هذا الا عن وعيٍ وفهمٍ وإدراكٍ حقيقي لطبيعة البشر وفهماً عقلانيا منفتحاً مستوعباً للقدرات البشرية المتفاوتة في كل شيء .

وعودٌ على بدئ ، فهذا النموذج التركي الماثل امامنا اليوم هو خير شاهد ودليل على سلوك الشعوب ، وحديثي هو عن الدولة التركيه الحديثة وعن إنجازات اوصلتها الى مرتبة متقدمة على الخارطة الدولية فقد وصلت الى مصاف الدول الاعلى على سُلَّم السياحة العالمية ، وتقدمت صناعياً بمختلف انواع الصناعات وتبوأت مركزا عالميا ايضا ، وفي الصدراة بما يتعلق بالمواصلات داخليا وخارجيا ، فهي بالعموم وجهة عالمية بامتياز ،
وبعيداً جداً عن الانحياز الديني الذي لا اعتقد ان تركيا قد سارت في ركب التشدد الديني باي حال من الأحوال فلا تستطيع التمييز وانت تسير في شوارع انطاليا وغيرها من المدن هناك هل انت في شوارع هولندا و الدنمارك او في شوارع اليونان ، فالكل حرٌ في لباسه والكل حرٌ في مشربه ومأكله ، وهذا ما رايناه بأُم العين ونحن في رحلة سياحية هناك وليس دفاعاً عن تركيا ولا دفاعاً عن اردوغان ، لكن واستشهد بما قاله ذلك الرجل الذي هو سعيدٌ بعلمانيته إذ يقول حرفياً
" انا واردوغان مثل المشرق والمغرب لا يلتقيان " ولكن حباً وولاءً لبلدي التي اوصلها اردوغان وحزبه الى ما هي عليه الان فإنه يفتديه كما قال بنفسه وولده "
واكتفي بهذا الذي فيه ما يكفي عن شرحٍ وبرهان ،
فماذا يريد نصف الشعب هناك اكثرَ مِن هذا وهو يعلم ان كل تلك الإنجازات التي جعلت بلدهم تتبوء هذه المكانة اليوم قد تمت على الرغم من كل المحاولات الخارجية المعلَنةِ جهاراً لإجهاض كل المشاريع التي أعطت مزيداً من القوة لها بمختلف المجالات التي مكنتها من اثبات وجودها على الخارطة العالمية بشكل اكثر فاعلية وتأثيراً في ظل تحولات كبرى على المستوى العالمي إن كان باعادة تحالفات او بناء علاقات ، وبالرغم من هذا فإننا لا ننكر على هذا النصف من الشعب حقه في قول كلمته وإعطاء رأيه فربما يكون هذا النصف من الشعب طموحاً لما هو اكثر من هذا الانجاز واعظم وربما هي الطبيعة البشرية على اختلاف الوانها واجناسها فما قصة قوم سبأ عنهم او عن اي شعب ببعيده ، فكانوا يسيرون وعن ايمانهم وشمائلهم جنات وكما تقول بعض كُتُب السِيَر ان المرأة كانت اذا ارادت ان تجمع الثمر فما يكون منها إلا ان تضع السلة فوق رأسها وتمشي بها فتمتلئ مما يتساقط فيها من كل ما نضج من ثمار دون ان ترفع يدها لتقطف ولو حبة واحده ،
وكان المسير على تلك الارض غاية في السهولة واليسر فتبدو المسافات ما بينهم متقاربة جداً لانه لا وعرَ فيها ولا صعاب وانه لا كَدَرَ ولا جُهد يُبذل فكل شيء مُيَسَّر وسهل ونعمة بلا حدود ، فماذا قال اهل تلك القرية بعد ان بطِروا بتلك النِعَم العظيمه ! فبدل ان يشكروا الله عليها قالوا " ربنا باعد بين اسفارنا "
ولم يكن هذا السلوك حصراً لهولاء فقد قالها ذلك الشعب الذي رزقه الله المنَّ والسلوى فلم يعجبه ذلك
وطلبوا استبدال تلك النعمة بما هو ابخس وادنى واقلُّ منفعة وأسوأ طعما ، فهل تجدُ يا رعاك الله وصفاً لكل هذا الجحود والنكران غير البغي والطغيان !!

إن اسعد الشعوب واوفرها حظاً تلك التي يُقيِّضُ الله لها قادة عظام يَحيا الناس في ظِلِّ حُكمِهم بعدالة وامن وامان وإستقرار آمنين مطمئنين على اموالهم واعراضهم ، يعيشون عيشاً سوياً ، فيه التفاوت في الاموال والارزاق والصحة والمناصب والمكانة ، وفيه التفاوت في العلم والمعرفة ، ويندرج كل هذا التفاوت تحت ما يسمى بالاستقامة التي فَطَر الله الخلق عليها والتي بها تستقيم الحياة ، ولا يُساسُ الناس باهواءِ كاتب ، او برأي سياسيٍّ مُحنَّك ، ولا بِشِعرِ شاعر ، ولا بشطحات واهمٍ يُدغدِغُ عواطف الناس واهواءهم لو أُنيط به قيادة ثلاثة رؤوس من الغنم ما إستطاع الى
ذلك سبيلا ، فالقيادة حملاً ثقيلا ، كان الله في عون حاملها ، وكما قالت العرب " إعطِ القوسَ باريها ".








طباعة
  • المشاهدات: 2296
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-05-2023 11:21 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم