04-06-2023 08:30 PM
سرايا - محمد المُغربي.. ثمانيني لبناني دار عليه الزمن، فتحول من مهندس إلى مشرد يقيم تحت جسر في بيروت منذ 3 أعوام، ويعيش من بيع كتب جمعها من "أبناء الحلال" وتبرعات جمعيات خيرية.
بطاقة إيجابية، يستقبلك الثمانيني بكوخه الذي يغلقه بلوح من الخشب ووضع عليه لافتة كتب عليها "المكتبة الوطنية في خدمة الرواد الكرام". ووسط ضجيج السيارات، يحدثك بلطف عن أهمية القراءة والعيش بكرامة، مهما كانت الظروف قاسية.
انتظار الحلم
المرة الوحيدة التي زارها مسؤول في الدولة اللبنانية، كانت في فبراير (شباط) العام الماضي حين وعده وزير الثقافة محمد مرتضى خلال زيارة له بتقديم المساعدة وبناء مكتبة خشبية له، وفق ما ذكره لموقع 24 خلال سرده تفاصيل قصته المأساوية التي انتهت بإقامته تحت الجسر.
ويبدو أنها كانت المرة الأخيرة في حياته على حد قوله، فما زال ينتظر تحقيق الوعد بإقامة مكتبة يعرض فيها كتبه المبعثرة في صناديق كرتونية يعرضها على طول الرصيف، قرب كوخه الخشبي الذي يفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الطبيعية.
كيف يمضي يومه؟
بالرغم من سكنه بوضع مزر بلا ماء ولا كهرباء ولا إنترنت، يرفض أن يطلق عليه تسمية "مشرد"، ويعتبر المكان واحة أمل وسط كتبه التي تؤنس وحشته وتزيد ثقافته.
يعتمد في طعامه على ما تقدمه له بعض الجمعيات والميسورين، فيما يقصد محطة وقود مجاورة له للاستحمام. ويمضي المُغربي أيامه في مطالعة الكتب وترتيبها، وعلى وجهه ابتسامة لا تفارقه، وتظهر جلياً في أثناء حواراته مع الذين يقصدونه من محبي الروايات والباحثين عن كتب نادرة أو قديمة بأسعار رخيصة.
العيش بكرامة
يرفض "تسعير" الكتب، لأنه على ما يؤكد "الكتاب لا يقدر بثمن، ولأن القراءة تجعل المواطن إنساناً شريفاً ومثقفاً، وبالثقافة نكون، وبغير الثقافة لا نكون".
كما يرفض أن "يتصدق" عليه أحد ويصر على القول بأنه يعيش بكرامة من بيع الكتب، لا بل أحياناً هو من يتبرع بالكتب لمحبي المطالعة من الفقراء كما صادفناه وهو يتعامل مع أحد الزبائن خلال زيارتنا له.
أما عن مصدر الكتب، يوضح المُغربي أن كثيراً من الأصدقاء والمعارف يقدمون له الكتب مجاناً ليسترزق منها. كما أنه يقصد السوق الشعبية وبعض المكتبات، بحثاً عن كتب معينة ليكمل مجموعته من الكتب في مجالات متنوعة.
بلا هوية
يتحدث محمد المُغربي بلهجة مصرية مرجعاً السبب إلى تأثره بالسنوات التي أمضاها في مصر خلال دراسته للهندسة في القاهرة. بالمقابل، كانت مصادر خاصة لصحيفة "النهار" اللبنانية قد شككت بهويته اللبنانية في تقرير سابق العام الماضي، مشيرة إلى أن اسمه غير مدرج في السجلات الرسمية، ولا يحمل أوراقاً ثبوتية تؤكد صحة ادعاءاته بأنه لبناني من سكان بيروت.
شخصية مشهورة محلياً
تحولت قصته إلى قضية رأي عام بعد إشعال النار في مكتبته العام الماضي عقب أسبوع من زيارة وزير الثقافة لكوخه والتبرع له بمجموعة كتب. وبفضل جهود جمعيات خيرية وتدشين حملة على مواقع التواصل، قدمت له مجموعة كتب جديدة لاستكمال حياته تحت الجسر، مع إصراره على رفض تلقي مساعدات مالية أو الانتقال إلى مأوى يستقر به.
ولدى سؤاله عن عائلته، يقول المغربي إن زوجته توفيت ولديه ثلاثة أولاد، شابان يعيشان في أفريقيا وشابة متزوجة، ولا يريد إدخالهم بمشاكله الخاصة.
من سجين إلى بائع كتب
حين سألناه عن ماضيه، كان يسرد الأحداث بطريقة متداخلة، فتارة يتحدث عن تفاصيل انتزاعه من أرضه ودخوله السجن وفجأة يعود بالذاكرة إلى أيام دراسته في مصر، ثم يقاطعه زبون بحثاً عن كتاب قديم لم يجده في المكتبات الكبيرة.
أما فكرة جمع الكتب، فذكر أنها جالت في باله، بعدما خرج من السجن في 2018، إثر سنة و3 أشهر أمضاها دون أن يرتكب جرماً، حسب قوله. وتابع أنه حاول العودة إلى منزله، فمنع من ذلك، ليكتشف أن من سجنوه هم الطامعون بأرضه، فلم يجد مأوى حينها إلا اللجوء إلى أسفل الجسر. ورغم صعوبة العيش هناك، أكد أنه وجد نفسه كإنسان في هذا المكان أكثر من أي مكان آخر.