12-06-2023 03:56 PM
بقلم : د.نشأت العزب
هنالك العديد من المعايير و الأسس التي يمكن من خلالها قياس تحضر أي مجتمع، لكن يمكن الإتفاق على أن تنطلق كل هذه المعايير و الأسس من نقطة واحدة و هي تقبل و إحترام الإختلاف، قد يبدو هذا المعيار بديهياً و منطقياً لكن ما هو البديهي و ما هو المنطقي في عالمٍ لم نكتشف فيه اكثر من 10% من حجمه و حقيقته، ما هي الحقيقة و من يملك الحقيقة، أليست الحقيقة كما الفوتون في تجربة الشق المزدوج المعروفة الذي عندما تبدأ بمراقبته يغير من طريقة حركته و بالمحصلة من ماضيه و حاضره و نتيجة مستقبله، الحقيقة موجودة و غير موجودة في نفس اللحظة، فوجودها يعتمد على موقف الشخص أو الجماعة منها، فهي موجودة ما دام البحث عنها جارياً و تتوقف لتصبح باطلاً و وهماً اذا ما تم اعتبارها مطلقة و غير قابلة للنقاش و اخذها كمسلمة.
العلم من دون الفلسفة اعمى و الفلسفة من دون العلم مقعدة، لذلك و عبر التاريخ ما كان لأمة أو حضارة أن تتقدم و تتطور من دون علم الفلسفة، فهي أم العلوم و هي مفتاحاً يسمح للعقل بالتحليق عبر الفضول متسلحاً بالتواضع و الحياد مستخدماً مهارات العقل و التفكير و السؤال، هل كان لأينشتاين أن يبهر العالم بالفيزياء الكمومية لولا الفلسفة التي لاحقاً أثبتها عن طريق المعادلات و الأرقام، و هل كان لعلماء الفلك في العصور السابقة القدرة على تحديد أماكن و مواقع العديد من الكواكب و النجوم -التي اثبتها العلم حديثاً- مستندين بذلك حقيقة البناء الفريد لهذا الكون لولا الفلسفة, و العديد من الأمثلة على أهمية هذا العلم في جميع الجوانب العلمية.
و لأن الفلسفة هي أم العلوم فلها أهمية إجتماعية أيضا أرى أنها أكثر ضرورة من أهميتها العلمية فحسب، فحتى يستطيع الفرد البدء بالتفكير الفلسفي الناقد و المنطقي و غيرهما ما طرق التفكير، فمن الضروري التخلي عن فكرة التمسك و التشدد لأي فكر و أي حقيقة، فمن هنا تبدأ رحلة أساسها التواضع و تقبل الأخر لا بل و البحث عنه فكل شيء يحمل جزء من الحقيقة و لا يوجد شيء خاطىء تماماً أو صحيح بصفة مطلقة، فأنا أعرف نفسي عن طريق الأخر، و كلنا مرآة نرى فيها إنعكاس حقيقتنا في الأخرين.
ما المعنى من كل هذا الكم من الشهادات التي لا تحمل مضموناً حقيقياً، فالبلاد العربية من أكثر الشعوب حصولاً على الشهادات العلمية، لكن ما إنعكاس ذلك على الواقع العربي اجتماعياً و علمياً ! لماذا يفضل العرب دوناً عن غيرهم من الشعوب الحديث عن السياسة و الدين و خلق أعداء و صراعاً دائما له كل الأثر السلبي على المجتمعات العربية و الواقع خير برهان! الشعوب العربية هي أخر من يحتاج للحديث عن السياسة و الدين و من الأفضل و الأجدر الخوض في مواضيع تنبذ الخلاف و الإختلاف و تساهم في تقبل الأخر و تطور المجتمع و إنخراطه في هذا العالم.
من الضروري أن يتم إدخال مادة علم الفلسفة للمرحلة الثانوية و إلحاقها لتكون مادة أساسية في الجامعات، فلا يمكن لمجتمع أن يكون حضارياً متطوراً من دون تقبل الإختلاف و لا يمكن تقبل الإختلاف من دون الإعتراف بكوننا أيضاً لا نملك الحقيقة و لكننا جزء منها، و لا يمكن أن يصل الأنسان لهذا الفكر من دون علم الفلسفة فهي الروح الذي بها تحيا العلوم و تزدهر المجتمعات و تتطور الأمم، فعند النظر لأكثر الجامعات العالمية شهرة و عراقة نجد أن مادة علم الفلسفة تعد مادة اساسية بغض النظر عن التخصص و ربما هذا يعد سبباً رئيساً في نجاح و إزدهار تلك الجامعات و بالمحصلة مجتمعاتها، و في أكثر الشركات تطوراً و انتشاراً يوجد إهتمام كبير في توظيف أشخاص لهم القدرة على استخدام علم الفلسفة للنهوض و تقدم تلك الشركات و المؤسسات.
بقلم: د. نشأت العزب
azabnashatco@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-06-2023 03:56 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |