18-06-2023 08:29 AM
بقلم : عبدالهادي راجي المجالي
أنا مكاني في الباص السريع, كل جمعة أنطلق من صويلح باتجاه البلد.. وكم تمنيت لو أن لي مكتبا صغيرا بجانب الشباك, وفنجان قهوة.. وسيجارة.
الباص السريع وطني, لا يوجد فيه ربطات عنق ماركة (هيرمز).. لا يوجد فيه سيجار من كوبا, ولا بعض من المسؤولين جاءوا بعد انتهاء العمل لتناول (الستيك).. والحديث عن فرص الاستثمار في قبرص, ولم يتجادلوا على الحساب لأن الحساب قد دفع مسبقا.
في الباص السريع تشاهد عاملا وافدا, صعد بمصاحبة (العدة).. أظن أنه كان يحمل (مسطرين) و(شاكوش).. لكن السائق لم يغضب والركاب ابتسموا له, (أم محمد) هي الأخرى صعدت الباص يرافقها الأولاد.. أصغرهم (جميل) كل جمعة لي موعد مع جميل فهو لم يتجاوز السادسة من العمر, ويحب أن يجلس في حضن أول سيدة يقابلها.. ثم ينام حتى تنتهي رحلتهم في (وادي عبدون).. أيضا يوجد وشوشات لبنت تتحدث عبر الموبايل سمعتها تقول بنبرة منخفضة: (ولك الكمون.. في العلبة الزرئا, افتحي الخزانة الثانية).. يبدو أن أحد أفراد العائلة يعاني من تلبك القولون, وخلف? مباشرة زوج وزوجة يتحدثان بغضب.. مما فهمته أنها أجبرته على الذهاب لأهلها...
الباص السريع يمثل الاشتراكية بكل تجلياتها, أصلا نظرية ماركس في الطبقات فشلت من حيث التطبيق في كل دول العالم, ولكنها نجحت في الباص السريع... هذا الأمر لم تقتنصه الدولة, لم تدرك أن الباص أسس ثقافة اجتماعية جديدة مهمة, بحيث أنه احتوى الجميع تحت سقفه..
كل يوم جمعة وبعد الصلاة انطلق في الباص السريع, واستطيع أن انتج قصة حب من طرف واحد.. وربما في ذات الموقف الذي نزلت فيه صبية بعمر الورد أستطيع أن أنزل فيه.. ولن يلاحظ أحد الأمر, استطيع أيضا.. أن أتخيل نفسي خارج المعتاد وأهم من كل البشر.. فأنت حين تنظر من الشباك وتكتشف أن الكل قد غرق في الأزمة, ووحدك من يسير.. تظن في لحظة أنك تمشي ضمن موكب رسمي وليس في الباص.
وها أنا كل جمعة أذهب لهناك... هو مشروع بناه الفقراء واستفاد منه الفقراء, والأهم أنه الوحيد الذي جعل سيارات اللاند كروزر والرنج روفر تراقبك ويتحسر من فيها.. لأنك الوحيد الذي سيصل المنزل في موعد (سكب المقلوبة) تماما..
الباص السريع..غير بعض مفاهيمي لدرجة أني صرت أؤمن بالحب السريع أيضا..
Abdelhadi18@yahoo.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-06-2023 08:29 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |