حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2695

كنز القناعة ..

كنز القناعة ..

كنز القناعة ..

21-06-2023 09:59 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : السفير قيس شقير
سؤالٌ يخطر لنا كثيرًا: " هل أنت سعيدٌ؟ ويكاد النفي يكون الإجابة الغالبة، وقد نلتف بإجابتنا باسئلةٍ مقابلةٍ من قبيل: وهل منّا من هو سعيدْ بحقٍ؟ وهل في الحياة سعادةٌ؟ وما مفهومها إن وجدت؟ وإن كنا سعداء في حياتنا، فهناك حياةٌ أخرى، يسبقها ميزانٌ للثواب وللعقاب: الجنة والنار. تساؤلاتٌ تشغلنا وتُثري نقاشاتٍ بينا لا تتوقف.


فما السعادة؟ ومتى نكون سعداء؟ وكيف تأتي؟ وهل من معاييرٍ لها قابلةٍ للتطبيق؟ كالصحة والمال والجاه؟ وهل يُكتفى ببعضها فنسعد؟ أم إن علينا أن نحويها كلها؟
وهل كل صحيح جسمٍ بالضرورة سعيدٌ؟ وكل غنيٍ استغنى بماله عن غيره، وأمِن نوائب الدهر ومصائبه، فإن مرض يستشفي، وإن تكدّر وجد ما يسلّي به خاطره فيسعد.


أسئلةٌ تفرض نفسها، فكلنا يتوق لأن يكون سعيدًا وحسب، ولكلٍ منا تفسيره لمعنى السعادة، وطريقٌ خاصةٌ به لتحقيقها، فمنّا القانع بالقليل، وقد يكون أوّلنا وصولًا إلى محطتها، أو إلى إحدى محطاتها، بتعبيرٍ أدقٍ. ومنّا من يحول طموحه الجارف دون وصوله إلى أيٍ من محطاتها، فيرى السعادة في تحقيق هدفٍ تلو هدفٍ، فيحيا في دوامة أهدافٍ لا نهاية لها، فإن جمّع المليون الأول، بدأ في الثاني، وإن أسس شركةً ونجحت، أدار ظهره لها، ساعيًا لما هو أكبر، في فهمٍ ماديٍ بحتٍ لمفهوم السعادة كما هُيّئَ له.
وأما الحامد الشاكر لنعم الله وقدره؛ خيره وشره، فذاك من اهتدى لفهمٍ الحياة وفلسفتها بأنها دار ممرٍ، لا مقرٍ، فصرف وقته يعمل لمستقره، ورضي بما عنده، وبما يحلّ به، فكان الرضا عنده مفتاحًا للسعادة.


ونكمل في دائرة مفتوحةٍ من الأسئلة عن الحياة والسعادة، ونلتفت حولنا فنرى عالمًا يخوض منذ الأزل، نزاعاتٍ لا تنتهي: سياسيةً، واقنصادية، وتجارية، وثقافيةً، وفكريةً، وفي كل مجالٍ يخطر على بالٍ، فنظن أن لا سعادة في كونٍ تاريخه حروبٌ كبرى وصغرى، ونزاعاتُ لم تبق بلدًا إلّا ودخلته، ولا مدينةً، ولا حيًا، ولا بيتًا، ولم تستثن في ذلك حتى العائلة نفسها، ومضت لتبلغ دواخل كلٍ منا، فبات الإنسان ينازع نفسه ويخاصمها، إن لم ينازعه أحدٍ.


نقول ذلك، ونقرأ الآية الكريمة ".... لقد خلقنا الإنسان في كبد". فالمكابدة قدرنا، ولا أظن أنها تعني بأننا لن نسعد في حياتنا. وكيف لا نسعد وقد رزقنا طفلًا، وقبل الطفل زوجةً صالحةٌ، أو زوجًا صالحًا؟ وكيف لا نسعد والكون كله مسّخرٌ لنا؟ ننظر حولنا فنرى حروبًا ونزاعاتٍ ومشاكلًا اقتصاديةٍ وسياسيةٍ، ومن كل الصنوف، وفي هذه البقعة تحديدًا من الأرض التي نحيا عليها، وكان قدرها أن تنال حصة الأسد من مـآس العالم، ولكنّنا حتى في الحرب ننتصر فنفرح، نصدّ عدوانًا آثمًا على أرضنا ومقدساتنا فننتشي فرحًا، وأملًا بأن ما سيأتي أجمل، وبفضل الله، أفضل.
وفي الكون كثيرٌ من النعم والخيرات التي تستحثنا على النظر والتأمل، ثم العمل، فدون عملٍ ودون حراكٍ، لا تستقيم حياتنا بما فيها من خيرٍ وشرٍ. إنّها باختصارٍ الروح المعنوية التي يجب أن تظل متقدةً حتى في أحلك الظروف، فنحن من يصنع السعادة، أو من يمهّد لها الطريق، والًا فالاستسلام للواقع محبطٌ، ومخيّب للآمال.


كنا في سنوات خلت نقنع بما عندنا، وهو قليل، فكان أبسط الأشياء يسعدنا، فالتلفاز بشاشته ذات اللونين يجذبنا، إلى أن زادت الألوان، وتضاعفت ساعات البث لتحيط بنا على مدار الساعة. وكنا نتحرّق شوقًا لاستلام رسالة بريدٍ من عزيزٍ أو حبيبٍ، فعاجلنا الهاتف النقال وجعل من الرسائل روتينًا يوميًا، بل ولحظيًا، فما عادت المتعة كسابق عهدها، بتنا نبحث عن كل جديدٍ ليرضينا، وغدت التكنولوجيا مصدر بحثٍ وتفكير دائمين؛ متى نشترى النسخة الجديدة من الجهاز كذا، وكذا؟ وكيف نوفّر السيولة لشرائه؟ ومتى ستنزل النسخة الأحدث؟ وكيف لي أن أقتنى جهازًا أحدث مما يقتنيه زميلٌ أو صديق، قريبٌ أو بعيدٌ؟


إنّها دوّامةٌ… الداخل إليها متعبٌ، لا يُخرجه منها سوى القناعة. القناعة التي قال عنها الحكماء: "أنها كنزٌ لا يفنى". إنها الرضا بقدرنا، وبما عندنا، رضا لا استستلامًا، ولا ركونًا لتغييرٍ يأتي دون ما عملٍ، أو دون ما جهدٍ يوازي متعة الحصول على ما نريد. هو أسلوب حياةٍ نستمتع به بما عندنا، وإن كان قليلًا، فالقليل سيكثر، والنبتة التي نغرسها بإيمانٍ وبنيّةٍ طيبةٍ، ستنمو لتخضرّ، فنسعد بما زرعنا وجنينا.


لنا أن نحلم، ولتحقيق الحلم طريقٌ قد يطول، فلا نيأس. وأكاد أجزم بأن التكنولوجيا أسهمت ببعد المسافة ما بينا وبين السعادة، فإن كانت هي بابٌ للرفاهية النسبية التي نعيشها، فقد سلبت في المقابل منا نشوة الإنجاز بعد تعبٍ وعناءٍ، فكل شيءٍ متاحٌ بأيسر ما يكون، ونكاد نستغني بجهاز النقال عن كل مساعدةٍ، فنسدد الفواتير، ونصوّر الوثائق، ونرسلها بلحظات، لا بثوانٍ، والطريق إلى المستقبل مفتوحةٌ لما هو أعقد وأبلغ.


انّها القناعة والرضا، مُدخلنا لحياةٍ فيها قسطٌ وافرٌ من السعادة ممزوجةٍ بالرضا.








طباعة
  • المشاهدات: 2695
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
21-06-2023 09:59 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم