26-06-2023 09:45 AM
سرايا - تلقيت بشوق الكتاب الصادر عن دار الحداثة ببغداد (2023) لمؤلفه محمد صابر عبيد الموسوم بعنوان التحليق خارج السرب: حميد سعيد - شخصية الشاعر وشخصية القصيدة. وهو كتاب يمكن تصنيفه في الدراسات النقدية على الرغم من أن ما فيه من النقد قليل جدا يكاد لا يلحظ.
ففي بداية الكتاب ثمة حملة شرسة من المؤلف، الذي نشر نيفا وثلاثين كتابا في نقد الشعر عدا غيرها من الكتب، على عدد من الشعراء الذين شاركوا فيما كتبوه ونشروه في بغداد أو في غيرها في النشاط النقدي الخاص بالشعر العراقي في ستينات القرن الماض وسبعيناته. فيصف كلا منهم بالنرجسية وتضخم الذات، والمغالاة في الحديث عن شعره. فسامي مهدي وفوزي كريم (ثياب الإمبراطور) وخالد علي مصطفى وفاضل العزاوي في الكتب التي أصدروها أكثروا من الضغائن، والذكريات المؤلمة الملفقة. وهذه اللوثة (الستينية) لصقت بهذا النفر من الشعراء حتى بعد أن تفرقوا في الأمصار، وتشتتوا في البقاع والأقطار.
فسامي مهدي في «الموجة الصاخبة» يغالي في الدفاع عن نموذجه الشعري، والادعاء بأنه أبرز «فرسان الشعر العراقي» فتجربته لها «تأثيرها الكبير في تجارب زملائه» (ص8-9) وأما كتابُ العزاوي «الروح الحية» 2003 ففيه كثير من المبالغات عن طيبة حميد سعيد، وما قدمه من عون للشاعر حسين مردان حين انضم لفريق مجلة (ألف. باء) (ص9) وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد استطرد المؤلف مبتعدا ليورد شهادة ضياء خضيّر عن حميد سعيد، ورأيه في شعر سعدي يوسف، على الرغم من أنهما ينتميان لإيديولوجيتين متخاصمتين (ص11). وجاءت آراء المؤلف في كتاب العزاوي متشنّجة، فهو أي العزاوي، يفتقر لمنهجية واضحة في التأليف. وفي موقع ثان يغالي في توثين شخصية المؤلف مغالاة شديدة لا تتناسب مع التعتيم الذي يُضْفيه على غيره من شعراء الجيل، ويمتدح تجاربه في أكثر من موضع(ص11).
ولا يسْلَمُ من هذا التهجُّم اللاذع كتابا خالد علي مصطفى شعراء البيان الشعري، وشعراء خارج البيان الشعري. فقد وصفهما بالمواربة، إذ يقول المؤلف فيهما شيئا ويعني شيئا آخر (ص14). وهو أي خالد علي مصطفى مع تحيزه لشعراء البيان ينكر جهود آخرين لم يوقعوا عليه. ويصفه علاوة على هذا بالذاتية المفرطة إذ يصف الشعراء الذين تناول بعض شعرهم ممن وقعوا على البيان بالإخوة المقرَّبين إليه جدًا (ص15). وصفوة القول هي أن محمد صابر يرى في كتابي خالد علي مصطفى تصوُّراتٍ مسبقة يعترض عليها كثيرون. ولا قيمة لهما أساسًا إلا من حيث أنهما تاريخ محض. (ص19) ومثل هذا الرأي الكاسح، الماسح، لم يسْلمْ منه كتاب لفوزي كريم، بعنوان « العودة إلى كاردينيا « 2014 فهو كتابٌ يطغى عليه البعد الذاتي الشخصي على حساب البعد الأدبي. فتكرار اسم سامي مهدي أربعًا في الصفحة الواحدة لا يبدّد هذا الانطباع عن ذاتية المؤلف الذي لا يرى فيه إلا نفسه.
شخصية النص؟
يفاجئ المؤلف، الذي أراد القول بما ذكرناه أنه هو الناقد الوحيد، قرّاءَهُ بُعيد هذه التوطئة بعنوان لا علاقة له بالسابق، والعنوان هو «شخصية الشاعر وشخصية النصّ». وما يقصده في الجزء الأول منه ضرورة أن تكون للشاعر، أيا كان، شخصيته المستقلة التي يُعرف، وينماز بها عن سواه، ويختلفُ بها اختلافا شديدا عمن عداه. وهذه الشخصية متوافرة لدى الشاعر حميد سعيد توافرا لا يدع في ذلك ريبة لمرتاب، أو تحفُّظا لمتحفِّظ. وما يقصده في الشق الثاني من العنوان أن تكون للشاعر - بصفة عامة - شخصيته التي يُعرف بها شعره مثلما يقول الباقلاني (402هـ) في «إعجاز القرآن» : فإنه لا يخفى على أحدٍ أن يميز سبك أبي نواس من سبك ابن الرومي، أو سبكه من سبك البحتري، ولا يخفى على أحدٍ أن يميز بين شعر الأعشى وشعر امرئ القيس؛ فلكلٍ منهجٌ معروف، وطريق مألوف (1)».
وهذه السمة عند عبيد لا تتحقق إلا لدى كبار الشعراء، ويستثني منها أولئك الذين يقتربون من نار الشعر، فيحترقون بها، ويتحوَّلون إلى رماد تذروه الرياح. وحميد سعيد ليس ممن يتحولون إلى رماد، فشعره يتمتع بشخصية عمادها ثلاثة أشياء، هي:
المعجم الشعري الخاص.
الصور المبتكرة.
المكان.
ويبدو لنا أنّ المؤلف صابر عبيد لا يفرّق بين مفهوم الشخصية الأدبية Literary character والشخصية الإنسانية التي تميز (س) من الناس عن (ص) بدليل أنه عدل بعد هذا مباشرة لموضوع لآخر، هو الحديث عن كتاب «سنين عمان» (2016) وهو سيرة، أو شبه سيرة، للشاعر حميد سعيد، جرى توليفها عن طريق القص cut واللصق Past من حوارات وشهادات ومقالات نشرت سابقًا في الصحف، أو أجريت معه في مقهى الفوانيس في مناسبات متباعدة. ويظنُّ المؤلف صابر عبيد أنه بهذه الحوارت التي نقّحها، وضبطها، وحررها، سليم النجار، يستخرج لنا شخصيته من شعره، وهذا ضربٌ بعيد من الظن. وهو يذكرنا بالذي أراد أن يدرس شخصية المعري(449هـ) باستقصاء ما ورد من أخباره في المصادر، وأمّات الكتب، تاركا شعره من: سقط الزند، واللزوميات، إلى لزوم ما لا يلزم. ومع ذلك لم يكنْ ما يقوله عن «سنين عمان» مما يقتربُ من النقد. فقد أفرَط في الحديث عن براعة النجار في حواراته دون أن يبين لنا ما الذي تجسده هاتيك الحوارات من ملامح شخصية حميد سعيد «الشعرية» وقصارى ما نستخلصه من هذا الحديث أن حميدًا إنسان ناضجٌ، دمثٌ، متواضعٌ، وكريم، لا يتأخر عن تقديم العون، والمساعدة، لمن يطلبها من الناس. وهذا- بلا ريب – معروف عنه ولا يحتاج لتوكيد. ولا علاقة له بما سبق من وعد المؤلف الذي قطعه على نفسه، وهو أن يوضّح لنا الشخصية الشعرية – النصّية - إذا جاز التعبير لحميد سعيد.
الرؤية الشعرية:
في فِصلةٍ أخرى عنوانها الرؤية الشعرية – الوعيُ والممارسة، وهي فِصْلة لا علاقة لها من حيث المضمون بما سبق، إذ ينتقل بنا من الحديث عما يتصف به حميد سعيد من دماثة الخلُق، ومن تشبثٍ بمواقفه، وقناعاته السياسية، وأن هذه القناعات يجدها القارئ في شعره، مثلما يجدها في شعر غيره، موحيا بأنه بدأ من هذا العنوان فصاعدا بعرض آرائه في شعره. وقد عدل عنه لآخر دونما سبب، هو التشكيل الشعري، وهو عنوان كسابقه لا يتضمن إلا القليل الذي لا يؤبه له عن التشكيل الشعري. فتحت هذا العنوان يجد القارئ عناوين أخرى، منها؛ إضاءة، ثم حساسية التشكيل، ثم المقهى فضاءً شعريًا. ثم عنوانٌ آخر بعيد عن الثلاثة : سرد – درامية الحوار الشعري. فكأنهُ بمقدمة هذا العنوان يريد نحت كلمة واحدة من سرد، ودراما، مثلما ينحتون زمكان من؛ زمن ومكان.
على أن لكلّ عنوان من العنوانات المذكورة موضوعٌ مستقلٌ يُفترض أنه مختلف عن غيره، محتاج لدراسة منفصلة. فالحلم أو الرؤيا شيء مختلف عن المقهى الذي هو مكان يرتبط عادة بما لا يُعد رؤيا. كذلك ما يعد سردا لا يعد دراما. ففي رأي كثير من الناس، وفي رأي الحقيقة، يختلفُ السرد عن الحوار الدرامي. فالأول اسم يطلق على نسج الحوادث بما فيها من توالٍ زمني، وتتابع، وأما الحوار، ففيه يتوقف السرد، شعرا أو نثرا، ويتوارى الراوي، تاركا للشخوص أنْ يتحاوروا. ويروق للبعض التفريق بين السرد وسواه بالقول: السرد هو الحكاية محذوفا منها الوصف، والحوار. لكن صاحبَ «التحليق» يُلحُّ، ويصرُّ، إصرارًا شديدًا، على التغريد خارج السرب فيفجأ القارئ بفرضياتٍ تمثّل انقلابا معرفيا على النقد الذي يصفه مرارًا بالقراءة من باب التواضع.
ثلاث قصائد:
ومع أنّ المؤلف عبيد يتهجّم على دعاة التنظير النقدي غير الكاشِف، إلا أنه يعِظُ بما لا يعمل به، فبدلا من أن يستخرج لنا شخصية حميد سعيد «النصيَّة» من شعره مثلما وعد، نجده يقتصر على ثلاث قصائد فحسب، فهي في رأيه تمثل شعره كله. وهذا شيءٌ عريب، فكيف لثلاث قصائد أن تمثل شخصية الشاعر النصية في غياب مئات القصائد عن البحث، وعشرات الدواوين؟ ثم نجده يتخلى فجأة عن التحليل النصي للقصائد، مكتفيا بالتوقف عند العتبات، أي العناوين، مؤثرا السير على خطى (العتباتيِّين) الذين يتركون صدر البيت، ويمضون أوقاتهم في الانتظار أمام الأبواب، لا لشيء إلا لأنهم عاجزون عن اقتحامها، والوصول إلى صدر البيت. على رأي الشاعر القديم الذي قال:
قوم إذا حضَرَ الملوكَ وفودُهم
نُتفَتْ شواربُهم على الأبوابِ
وما ينبهر له القارئ، الذي لديه الحدّ الأدنى من المعرفة بالشعر ونقده، حديث المؤلف عن «الطباق» في مستهل تناوله قصيدة [غرفة] لحميد سعيد. فالطباق مصطلحٌ بلاغيٌ أكل عليه الدهر وشرب، يعده المؤلف مفتاحا يلج به فضاءَ النص الحديث، ولكنه ما إن ينتهي من هذه الإشارة حتى نجده يتحدث عن الإفراط الرومانسي (ص47) وأن النصَّ يتنازل عن جزء كبير من شعريته نظرًا لوقوعه أسيرًا للرومانسية الطاغية. هذا مع أن القصيدة لا رومانسية فيها، وفهمه للرومانسية فهمٌ يحتاج إلى إعادة نظر، فالشاعر يقول في (غرفة) ما يأتي:
أفتح عيني
مصابيح الغرفة مطفأة
أغمضها
أستحضر ضوءا يفتح لي أفقا
فأغير ألوان الجدران
أستبدل وجه المرأة في اللوحة
أخفف من غلواء الكحل بعينيها
أطرد هذا الشبح المخفي
فالرومانسية، التي نعرفها، ذات مُعْجم لفظي، ولون شعوري، وفضاء عاطفي، وجمالي، لا نجده في هذه القصيدة. ثم ما علاقة الرومانسية المزعومة بما في كلمة « أفتح « من علاقة تناصيّة بقصيدة دعبل الخزاعي(246هـ) التي ذكر منها قوله:
إني لأغمضُ عيني ثم أفتحُها
على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا
ولا يفتأ المؤلف عبيد يلفُّ لفا، ويدور دورانا، حول الكلمة (أفتح) وما لها من علاقة مزعومة بإضرام الحريق بفتيل المغامرة. والحديث عن علاقة الرومانسية بوجود الفاعل، أو تقديره في الفعل (أفتح) أو (أغمضُ) فشيء يؤكد أن المؤلف من البداية لا تفارقه الرغبة الشديدة في ممارسة «الحذلقة» اللغوية التي يتصف بها بعض من لا يعرفون ما يقولون، أو يكتبون. ويتحذلقون في اللغة مع أنهم في الحقيقة، والواقع، لا يمتلكون إلا الحد الأدنى من المعرفة بالعربية، وقواعدها الإملائية، والنَحْوية، والصرفية، وحتى الدلالية. فبعضهم يكتب مثلا عن الانزياح النعتي. وآخر يقول إن العنوان(غرفة) ينفتح على آفاق سيميائية عديدة. والحال أن الغرفة كلمة متداولة جدا بين مستعملي العربية، ومدلولها معروف، لا آفاق له غير أنه المرادفُ للحجرة. وهذا ما أراده الشاعر- ها هنا – وأراده أحمد عبد المعطي حجازي في قصيدته « غرفة المرأة الوحيدة (2) «. ويقول لك المؤلف بصفته واحدا من كبار النقَدَة: هذه القصائد اشتغلتْ عليها قراءتُنا. ويقول وصلني من فلان الناقد كتابا، مؤكدًا ألا فرق بين الفاعل والمفعول به من حيث علامة الإعراب. وفي موقع آخر يُفصح عن استعمال جديد مبتكر لحروف الجر، فيكتب «وهم إخوة قريبون جدًا عليه» والمتبع المتداول أن يقال قريبون إليه، أو منه. والضمائر هي الأخرى لها نصيبها من ابتكاراته، يقول: «جامعة بغداد كانت المهاد الذي تخرج فيها» وفي موقع آخر، يقول «سعدي يوسف لم يترك أحدا من الشعراء العراقيين لم يعرّض بها» ولحروف الجرّ نصيبها أيضا من هذا التجديد، يقول: « فضلا على إلقاء الضوء « والعادة توجب أن يقول فضلا عن، لا على.
العنوان أولا. العنوان أخيرا:
في هذا الكتاب الكثير من التكرار، واللتّ والعَجْن. فالقسم الأخير منه تتكدس فيه العناوين مثل:: المعنى الشعري وسيمياء العنوان، و سحر العنونة من القصيدة إلى المجموعة الشعرية، و قصيدة العنونه – وهذا عنوان يثير الشفقة إذ كأنه يتهم الشاعر بتأليف قصيدة لا موضوع لها إلا العنونة – وعنوان آخر: من الشكلية إلى الشعرية، كأنَّ الشكلية والشعرية ضدان. وعنوان آخر «رمزية العنونة وتشكيلية العنوان من التأنـّق إلى الانفتاح»، وكأنه يظن التأنق انغلاقا فذكر الانفتاح نقيضًا للتأنق.
تهيؤ وعناوين:
وبقراءة ما يقوله المؤلف تحت هذا العنوان يكتشف القارئ أن لدى المؤلف لغة جديدة والدليل على هذا أنه يدعي أن العنوانين «باتجاه أفق أوسع» و»فوضى في غير أوانها» عنوانان يمثلان نسقا تركيبيا واحدا فهما في رأيه متشابهان. وهذا التشابه، أو التجانس بين العنوانين، لا وجود له إلا في خيال المؤلف، ومع ذلك إذا كان العنوانان متشابهين ومتجانسين تركيبا فالمفترض أن تكون المجموعتان الشعريتان أيضا متشابهتين. وهذا يؤكد أن المؤلف يقول ما يمكن أن يُعد من باب التهيؤات لا من باب النقد القائم على التذوق، والاكتناه المعرفي. على أن إشكالية العناوين في هذا الكتاب لا تتوقف عند هذا الحد، فكلما بدأ فصلا جديدا من الكتاب أعادنا لموضوع العناوين، ففي الفصل الأخير وهو السيرة الذاتية للقصيدة أفرط في تعداد العناوين التي تقع تحت هذا العنوان. ولكنه لا يكتفي بهذا بل يحاول أن يسبك مصطلحا جديدا هو السيرة الذاتية الشعرية، ويُصدر ما يشبه الفتوى التي تزعم بأن السيرة الذاتية الشعرية شيء، والسيرة الذاتية بدون كلمة شعرية شيءٌ آخر، ومع أنه سبق أن قال الكثير في سيرة حميد سعيد وسنين عمان، إلا أنه لم يتنبه لهذه الفروق. علاوة على أنه لم يتنبه لفروق أخرى، فمن يكتب من الروائيين سيرة ذاتية تصبح على مذهبه شيئا والسيرة الذاتية شيئا آخر، ومن يكتب من كتاب القصة أو النقاد أو المؤرخين أو السياسيين سيرة ذاتية فينبغي لها أن تكون شيئا مباينا لأي سيرةٍ أخرى. وهذا ضرب عجيب من الخلط. وقد تكون لدى المؤلف فكرة ما عن هذا الشيء الذي يسميه سيرة ذاتية شعرية، لكن اقتداره في اللغة يقعد به عن وصف، أو تبيان، ما يريده بشيء من الإفصاح. وهذه علة الكثيرين ممن يحاولون الكتابة من غير عدة ، ولا ذخيرة.
ولكثرة العناوين المدرجة بعضها تحت بعض، كان الأحْرى بالمؤلف أن ينشر كتابه هذا بعنوان آخر، كأن يكون «شعر حميد سعيد والعنونة» أو «العنونة في شعر حميد سعيد». ولا ريب في أن القارئ يتساءَل ما حكاية المؤلف مع العناوين؟ ألا يجد في شعر حميد سعيد ما يلفت النظر سوى العناوين؟ لقد أساءَ بعض المهتمين بالترجمة عندما نقلوا للعربية كتاب جيرار جنيت « عتبات النص « مثلما أساءَ الذين ترجموا كتاب باشلار « جماليات المكان «. فما إن وقع كتاب العتبات من ترجمة عبد الحق بلعابد في أيدي جهابذة الآداب لدينا حتى أخذوا يمضغون ما فيه، ويلوكونه، ويعيدون مضغه، كالمفلس الذي لا يجد ما يقوله، فيتسلى بتلك (العلكة) الرخيصة. فهو يمضغ ويمضغ مستبدلا السطحيَّ بالتحليل العميق، والقشور باللباب، متناسين القول المأثور « صدر البيت لك والعتبة لنا « كناية عن شدة السخاء والترحيب. وفي هذا المقام نتذكر قول تشومسكي عن بعض الفرنسيِّين الذين اعتادوا الجلوس في مقاهي الأرصفة يحتسون المشروبات الساخنة، ويتحدثون في اللغة والأدب أحاديث لا مزيَّة فيها إلا الحذْلقة.