حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4264

(مفاتيح التراث) لـ محمد عبيدالله .. دلالات المفردات في الثقافة العربية القديمة

(مفاتيح التراث) لـ محمد عبيدالله .. دلالات المفردات في الثقافة العربية القديمة

(مفاتيح التراث) لـ محمد عبيدالله ..  دلالات المفردات في الثقافة العربية القديمة

08-07-2023 08:17 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - د. حسام العفوري - لعلنا ندرك حجم إصدارات الكتب الكثيرة في عصرنا الحاضر؛ إلا أننا نقف إزاء بعض هذه الكتب موقف الزاهد في قراءتها، وبعضها الآخر ننساق إليها سوقاً، بما عُرض فيها من معارف وعلوم تزيد القارئ علماً ودربة ومعرفة، ومن هذه الإصدارات التي تُعنى بدلالات مفردات الأديان والمعتقدات والمعارف المستعملة قبل الإسلام، «مفاتيح التراث» للأستاذ الدكتور محمد عُبيدالله (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2021).

البيانات والمعلومات والمفاهيم والمصطلحات في هذا الكتاب واضحة مباشرة؛ فالمتلقي لا يجد عناءً في استسقاء المعرفة منها؛ لأن الباحث قد انتخبها وانتقاها واختارها واجتلّها بعناية فائقة؛ تُغني الباحث من البحث في المعاجم كلها.

لذا؛ سنقتبس مثالاً واحداً يتطرق إلى منهجه؛ ألا وهو لفظ (نَسْر): إذ جاء الباحث لتوضيح المعنى بآية من القرآن الكريم، وكذلك جاء بكلام من «تفسير الطبري»، ومن «كتاب الأصنام» لابن الكلبي في توضيح كلمة (نسرا)، ومن «معجم الصحاح» للجوهري، ومن «لسان العرب» لابن منظور، ومن «كتاب الحيوان» للجاحظ، ومن «فتح الباري» لابن حجر العسقلاني، ومن «المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام» لجواد علي، إذ يقول عُبيدالله (ص403-404):

"(نَسْر): صنم من أصنام العرب القديمة، ورد ذكره في القرآن الكريم بما يدل على أن قوم نوح عليه السلام قد عبدوه، قال تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (نوح: 23). وقد جمع الطبري جملة من التفسيرات حول الآلهة الواردة في الآية الكريمة منها أن هذه الأسماء أسماء أعلام، أو أشخاص كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم تبّاع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم. فصوروهم فلمّ? جاء آخرون دبّ إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر، فعبدوهم... وقال آخرون: هذه أسماء أصنام قوم نوح (1). وذكر أيضا أن (نسرا) كان لذي كلاع من حمير (2). وذكر ابن الكلبي (نسرا) في كتاب الأصنام، ونسب إلى عمرو بن لحي إدخاله إلى بلاد حمير: قال: فدفع عمرو بن لحي إلى رجل من ذي رُعين يقال له معديْ كرب نسراً. فكان بموضع من أرض سبأ يقال لها (بلخع) تعبده حمير ومن والاها. فلم يزل يعبدونه حتى هودهم ذو نواس (3). وقال في موضع آخر: واتخذت حِمْير نسراً، فعبدوه بأرض يقال لها (بلخع). ولم أسمع حمير سمّت به ?حدا، ولم أسمع له ذكراً في أشعارها ولا أشعار أحد من العرب. وأظن ذلك كان لانتقال حمير أيام تبع عن عبادة الأصنام إلى اليهودية (4). أي أنه عُبِد في زمن أقدم من الجاهلية الأخيرة التي تهودت فيها حمير، وتركت عبادة الأصنام. وأمر التسمية بالصنم من المؤشرات الدالة في مذهب ابن الكلبي، تدل على رسوخ في العبادة وتعظيم الصنم، وغيابها يدل على اضمحلال عبادته في العهود الأخيرة من الجاهلية. وذكر الجوهري (نسرا) في معجمه وذكر شاهداً نادراً ورد فيه ذكره، قال: «نَسْر كان لذي الكَلاع بأرض حمير، وكان يغوث لمذحج، ويعوق لهمدان من أص?ام قوم صنم نوح، عليه السلام... وقد تدخل فيه الألف واللام، قال الشاعر: أمَّا ودِمَاءٍ مَائِرَاتٍ تَخَالُهَا/ عَلَى قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَمَا (5).

وقد يكون دخول اللام لأغراض الشعر وضروراته، للمواءمة مع العزى المعرفة، ولاستكمال الوزن الشعري. وذكره الجاحظ مقتضباً «وفي الأوثان القديمة وثن يسمّى نسراً، ويزعمون أنه كان على صورة نسر"(6). وأهمية هذه الإشارة اجتهادها في التوفيق بين اسمه وصورته، وهو ما مالت إليه التفسيرات الحديثة، وأيدته بعض الصور والنقوش».

وبتابع عبيدالله: «حكى الواقدي قال: كان ودّ على صورة رجل، وسُواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونَسْر على صورة طائر (7). وذكر جواد علي أن نَسْر هو (نشر) Nesher في العبرانية. وهو صنم من أصنام اللحيانيين كذلك، ويجب أن يكون من أصنام العرب الشماليين لورود اسمه في الموارد العبرانية والسريانية على أنه اسم إله عربي. وأشير في التلمود إلى صنم ذكر أن العرب كانوا يعبدونه اسمه (نشر) Neshra و(نشرا) هو (نَسْر). وقد ورد اسم الصنم (نسر) عند السبئيّين كذلك، وكان من الآلهة المعبودة عند كثير من السام?ين، وقد عبد خاصّة في جزيرة العرب. ولم يشر ابن الكلبي إلى صورة الصنم نسر، ولكننا نستطيع أن نقول استناداً إلى هذه التسمية أنه كان على هيئة الطائر المسمى باسمه، وقد وجدت أصنام على صورة نسر منحوتة على الصخور خاصّة في أعالي الحجاز (8)».

رأينا في هذا المثال أن الباحث محمد عبيدالله ماهر في صنعته، وفعل ذلك بحِذْقِه ومهارته، ولعله استطاع أن يخط طريقه في تأسيس منهج لم يقدرْ على سلوكه من جنح عنه لوعورته وصعوبته، فيكون قد بنى لمن يأتي بعده على ما أسسَ، ولم يتجاوز ما رسمَ إلى غيره. وكأنه عَمَدَ إلى تعقيم الدلالات اللفظية لكثير من المفاهيم والمصطلحات، وهذا يعتبر من الحالات المفيدة في المعاجم المختصة. وهذا ما يجعل المتلقي يطمئنّ إليه ويسترسل إليه استرسالاً. فيكون له من المعجم استقلال بم يُحَمّل، واضطلاع بما يُكلف، وكفاية فيما يُقَلّدُ إياه.

ولعلنا نقتبس أيضاً من الكتاب كلمة الغلاف، وهذا أدعى لمعرفة ما كان وما صار إليه الكتاب:

"يطمح هذا المشروع المعجمي إلى جمع أبرز الكلمات المفتاحية للتراث الحضاري والثقافي عند العرب قبل الإسلام، لتكون في معجم موحد سهل الترتيب واضح الصياغة دقيق المحتوى، يفيد منه دارسو التاريخ والحضارة واللغة والأدب وفروع الحضارة والثقافة ممن لهم اهتمام بحضارة العرب وثقافتهم، وتمن يرون أن أواخر الأمور لا تنفصل عن أوائلها. ونظرا لاتساع التراث العربي وصعوبة إنجاز المعجم الحضاري والثقافي دفعةً واحدة، فقد ملنا إلى البدء بمعجم الأديان والمعتقدات والمعارف لاعتقادنا أن هذا المجال يأتي في مقدمة أولويات الثقافة والحضارة، و?د عمدنا إلى اختيار المداخل المعجمية من مدونة واسعة شملت الشعر والنثر والمصادر التاريخية والموسوعية والمعجمية القديمة، ورتبت هذه المداخل ترتيبا هجائيا على لفظها الأشهر، وراعينا التوجه التاريخي باهتمامنا بكيفية انتقال الألفاظ من المعنى العام إلى المعنى الاصطلاحي الخاص، إلى جانب الاهتمام بتأثيل الكلمة عبر الإفادة من اللغات السامية وغير السامية التي وفدت منها أو استعملت فيها. وبشكل مجمل، يجد القارئ في هذا المعجم معظم المداخل اللازمة للإحاطة بأديان العرب ومعتقداتهم ومعارفهم قبل الإسلام، على أمل أن يكون نشر هذه ?لطبعة الأولى من (معجم الأديان والمعتقدات والمعارف قبل الإسلام) محفزا لنا على بذل ما في الوسع والطاقة لإصدار الكتب المعجمية الأخرى التي تشمل: معجم مصطلحات اللغة والكتابة والأدب؛ معجم المجتمع والثقافة الشعبية؛ معجم الحضارة المادية؛ معجم الفنون والألعاب والأزياء».

وبهذا يكون «مفاتيح التراث: معجم الأديان والمعتقدات والمعارف قبل الإسلام» قد وقع في نفس المتلقي أحسن موقع وأجلّه، فنجا من الخلط واللغط في المفاهيم والمصطلحات، فأصبح الكتاب له قياس لا يُكسر، وجواب لا يُقطع، وحدٌّ لا يُفَلُّ. وإذا ما انتقضت الأمور واضطربت كان له المعجم طريقاً وسبيلاً، وقرن بالصواب تدبيره، ووصل بالجِدّ عمله، فوقف على فحوى الكلام ومعناه، فاعتاض به من أي معجم اعتياضاً، وعوضه عن غيره بالأمر الحسن.

من مصادر ومراجع المعجم:

(1) تفسير الطبري، تحقيق التركي، 303/23.

(2) المصدر نفسه، 304/23.

(3) ابن الكلبي، كتاب الأصنام، ص57-58.

(4) المصدر نفسه، ص11.

(5) الجوهري، الصحاح، 826/2-827. (م: نسر). ونقله: ابن منظور، لسان العرب، 206/5. (م: نسر). وفي هامش محقق الصحاح أن (الشعر لعمرو بن عبدالجن التنوخي، وقد غلط من نسبه للأخطل).

(6) الجاحظ، الحيوان، 53/7.

(7) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، 669/8.

(8) جواد علي، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 6/263.

(أكاديمي وناقد)











طباعة
  • المشاهدات: 4264
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
08-07-2023 08:17 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم